في ذكرى “الوحدة العربية”… مطلوب رؤية حديثة للعروبة

زياد سامي عيتاني
عبد الناصر - قوتلي

في 22 شباط، قبل 65 عاماً، إستيقظ العرب على إعلان قيام أول وحدة عربية، جمعت آنذاك مصر وسوريا تحت لواء “الجمهورية العربية المتحدة” كنواة لوحدة عربية شاملة.

توهج حلم الوحدة في خمسينيات القرن الماضي، حين غزت الشعارات القومية الدول العربية، لتنحاز نخب تلك الفترة وأنظمتها، الى الثورات ودعوات التوحد والاندماج.

فقد إتّسمت الحقبة الناصرية، والتي استمرت نحو عقدين بدءاً بالعام 1952 حتى العام 1970، بتوهّج مشاعر القومية العربية، والثورة ضد الاستعمار، وتطبيق مبادئ الاشتراكية، إضافة إلى توجّهات وطنية بتأميم الاقتصاد المصري، وتعزيز القوات المسلحة.

وتمخض عن ذلك، توقيع الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبد الناصر، ميثاق الجمهورية العربية المتحدة في 22 شباط 1958.

وأُجري إستفتاء شعبي على الوحدة، جرى على إثره إنتخاب جمال عبد الناصر رئيساً، واختيار القاهرة عاصمةً للجمهورية العربية المتحدة. ووضِع في 5 آذار 1958 دستور جديد مؤقّت للجمهورية الجديدة، كما تأُسس إلى جانب الحكومة المركزية في القاهرة، مجلسان تنفيذيان إقليميان؛ هما المجلس التنفيذي المصري والمجلس التنفيذي السوري.

غير أن تلك الوحدة إنتهت بإنقلاب عسكري في دمشق يوم 28 أيلول 1961، أعلن فك إرتباطه بالقاهرة وقيام الجمهورية العربية السورية.

ورضخت القاهرة أمام إنقلاب دمشق، منعاً لسفك الدماء، واحتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى العام 1971، عندما سميت باسمها الحالي “جمهورية مصر العربية” مع خلافة أنور السادات لعبد الناصر في الحكم.

وعلى الرغم من أن تلك الوحدة لم تكتب لها الحياة سوى لثلاث سنوات فقط، لا يزال الحلم العربي حتى يومنا هذا، يراود الأجيال المتعاقبة، خصوصاً إزاء الصراعات العربية – العربية، وقيام عدد من الأنظمة العربية بالتطبيع العلني والسري مع العدو الصعيوني الغاصب لأرض فلسطين.

تأتي هذه الذكرى المجيدة وسط تصدعات في بلدان عربية تعاني من الاقتتال الداخلي، وتدخلات الخارج في شؤونها، ومع بروز الجماعات الظلامية والتكفيرية والشعوبية، قد يكون أول رد فعل مطلوب على تلك التحديات غير المسبوقة، التمسك بالهوية العربية في مواجهة قوى إقليمية على التخوم تتربص بالعرب، وقوى دولية تحرّض وتخطط وتتدخل في الشأن الداخلي لبلدان عربية، سعياً الى إستحداث كيانات عرقية أو طائفية، على حساب دولها الوطنية.

أمام كل هذ التحديات التي تواجه الأمة العربية، يبقى الرهان على إنتاج ثقافة عربية جديدة، وتغيير الحقائق الاقتصادية والاجتماعية، نحو الأفضل على قاعدة معرفية تتيح فهم حركة التاريخ وإمكان توظيفها إيجابياً.

ولعل ذلك هو جوهر النضال الفكري المطلوب من جانب المثقفين القوميين والمؤمنين بفكرة الأمة العربية الواحدة، للخروج برؤية حديثة لمعنى القومية ومفهوم الأمة، بعيداً عن الاطار العاطفي التقليدي، تساعد الأمة العربية في مواجهة الواقع الراهن، المشحون بالتحديات الخطيرة والأحداث الجسام، فضلاً عن بناء ما يمكن وصفه بـ “ثقافة حداثية قومية قادرة على الاستجابة لمتطلبات الواقع المعاصر”.

شارك المقال