هذه الدولة الفاشلة… من هذه السلطة – العصابة!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

يبدو أن لا قعر لانحدار هذه السلطة التي تهوي بالبلد والناس إلى حيث لا نهاية، إذ تنزلق الأمور يوماً بعد يوم إلى الأسوأ واللامعقول، الذي تعجز العقول عن توقعه فضلاً عن تصديقه لما فيه من غرابة وصفاقة وعدم إحساس بالمسؤولية تجاه وطن يحتضر وشعب ينهار نفسياً وصحياً وحتى أخلاقياً، جراء ممارسات هذه السلطة – العصابة من دون أن يرف للمسؤولين فيها أي جفن، بحيث يستمرون في الخلاف والتقاتل وهذه المرة على “جنس الصلاحيات”، بينما البلد ينحو نحو عدم الصلاحية لا للعيش ولا للعمل ولا لاعتباره جزءاً من المنظومة الاقليمية أو الدولية، كونه تحوَّل إلى دولة فاشلة بكل المقاييس والمعايير الدولية والانسانية المتعارف عليها.

فبعد فشل تشكيل حكومة جديدة عقب الانتخابات النيابية في شهر أيار من العام الماضي، ما جعل البلد يسير وفق صيغة تصريف الأعمال – وأية أعمال -، جاء الفراغ الرئاسي ليتوِّج به “العهد القوي” المقبور إنجازاته وليزيد طين الخلافات بلة، بسبب تشكيلة البرلمان الجديد التي لا تعطي الأكثرية لأي طرف، وبدلاً من أن تبتدع السلطة الحلول كحل مجلس النواب مثلاً – وفق أي صيغة كانت ولو تحت بند الضرورة كما إعتادت – كما في البلدان الديموقراطية والحضارية الحقيقية لا المزيفة، تراها تبتدع المشكلات وتُراكمها بسبب من خلافاتها على تقاسم “التفليسة” بعد أن تحاصصوا البلد سابقاً، وعلى محاولة فرض كل منها أجندتها على البلد والناس، بحيث يستعين كل طرف من أطرافها بما تيسر من “الاحتياطي” لديه من رجال دين وإقتصاد وإعلام وقانون ليدعم بهم وجهة نظره مقابل الطرف الآخر، ما جعل البلد يعيش حالة فراغ وشلل وفوضى، وصلت في الفترة الأخيرة إلى القضاء الذي من المفروض أنه الحصن الأخير للدفاع عن الدستور والقوانين والسهر على حسن سير المؤسسات الدستورية، فإذا به يغدو مشلولاً نتيجة التحاصص السياسي ما فتح المجال لبعض القضاة أن يسرحوا ويمرحوا، بحيث بات القانون ككل شيء في البلد مجرد وجهة نظر، ما إضطر رئيس الوزراء الى التدخل – وهذا ليس دفاعاً عنه فكلهم مسؤولون – لوضع حد لهذه الهرطقة والمهزلة التي زادت عن حدها، والتي باتت في أساس ضرب البلد في مقتل عبر إستخدامها في الرد ربما على هرطقات سياسية مقابلة، وما يسري على القضاء يسري على غيره وهو ما حوَّل الدولة إلى دولة فاشلة بكل معنى الكلمة.

إن المرء ليحزن عندما ينظر حوله ويرى كيف أن دولة عدوة كإسرائيل عندما دخلت في أزمة سياسية، عادت إلى الشعب صاحب التفويض والقرار، وأجرت 5 إنتخابات نيابية في غضون أربع سنوات متتالية، وكيف أن الشعب هناك ينزل إلى الشارع للأسبوع الثامن على التوالي بمظاهرات للاعتراض على مشروع حكومة نتنياهو لتعديل النظام القضائي ما يؤدي من وجهة نظره إلى تقويض السلطة القضائية لصالح السلطة السياسية، فيما يجري التلاعب بالقضاء عندنا من كل الأطراف من دون حسيب أو رقيب. كما أن المرء يعجب ويتألم لحاله عندما يرى دولة كتركيا وهي في قلب المأساة الانسانية التي تعرضت لها جراء الزلزال وهو كارثة طبيعية لا يد لأحد فيها مباشرة، ومع ذلك تحاسب وتعتقل من يُشتبه بأنهم قصَّروا أو أهملوا في أداء واجباتهم قبل الزلزال من مقاولين وموظفين ورؤساء بلديات، بينما نحن وبعد مضي أكثر من سنتين ونصف السنة على كارثة “بيروتشيما”، لم نستطع محاسبة أحد من المرتكبين سواء ممن أتوا بشحنة الأمونيوم أو من سمحوا لها بالدخول أو من أهملوا أمرها أو من فجَّرها، وما ذلك إلا لأننا نعيش في ظل عصابة تسمّي نفسها سلطة، عصابة فاشلة وعاجزة أو هي في الحقيقة غير راغبة حتى في تنظيف نفسها من الأوساخ التي تعتريها، والطفيليات التي تنمو على جنباتها وتستظل بحمايتها من المحاسبة، حتى تغدو عصابات صغيرة داخل العصابة الكبيرة تعيث في الأرض فساداً وفي الناس الأخيار قتلاً، وآخرها جريمة إختطاف وقتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي في عكار، والتي لولا بقية من تعقل وحكمة ومهنية أمنية لكانت أودت بالشمال وبالتالي البلد إلى ما هو أسوأ من مخطط سماحة – مملوك السيء الذكر.

من هنا نقول إن من البديهي عندما توكل الأمور في دولة ما إلى سلطة فاسدة، وعندما تتحول هذه السلطة إلى عصابة لتقاسم المغانم بدل أن تكون فريق عمل متكاملاً لصالح البلد والناس، من البديهي أن تتفكك مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى، ومع تفكك المؤسسات من الطبيعي أن تسود شريعة الغاب بحيث يسرق ويأكل ويقتل القوي الضعيف، ومن ثم تتحول الدولة إلى دولة فاشلة بكل المقاييس وتكون بذلك صنيعة هذه السلطة الفاشلة كما هو الحال اليوم في لبنان، وسيبقى الحال على ما هو عليه ما دام الشعب مستنكفاً عن ممارسة دوره في حسن إختيار ممثليه في السلطة، سواء منها السياسية أو البلدية وفق الآية الكريمة من سورة الرعد (11) “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

شارك المقال