غادة… جسدت بتفوق الاضطرابات “العونية” في الجسم القضائي! (٢/١)

زياد سامي عيتاني

ليس من رابط عائلي يربطها بميشال عون، فهي من بلدة الدامور، وهو من منطقة حارة حريك، إنما ما يجمعها به انتماؤها الى التيار “العوني”، (نسبة الى مؤسّسه)، وليس الى “التيار الوطني الحر”، حيث لا منصبَ ولا موقعَ تنظيمياً لها فيه.

إنّها القاضية غادة عون، التي كانت تعتبر “الجنرال” خلال فترة إقامته في “منفاه الباريسي”، القدوة والرمز والمُخلّص و”القديس السياسي” (!) وبالتالي عندما يقرّر العودة إلى لبنان، سوف ينقله من حال إلى آخر، لأنّه من “قماشة” سياسية مختلفة عن كل الطبقة السياسية، وهو صاحب مشروع سيادي وتغييري وإصلاحي.

هكذا كانت القاضية عون تتفاعل وجدانياً وعاطفياً مع “الجنرال” كـ “أسوة” يحتذى بها، ويراهن عليها، على الرغم من أنّها لم تكن يوماً ناشطة في صفوف التيار، ولم تكن مسيّسة بالمعنى الفكري والعقائدي، بل ارتباطها بالظاهرة العونية كان بدافع غرائزي فئوي وطائفي، لأنّها وجدت في شخص عون “بطريركاً سياسياً للموارنة” أو لبعضهم.

وبعد عودة “الجنرال” من باريس في أيار 2005، عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عاشت ككل “العونيين”، نشوة الانتصار، لأنّ مجرد عودته إلى لبنان بالنسبة اليهم “غلبة مظفرة”. فعاشت الأحلام الوردية الموعودة، بما سوف تحمله هذه العودة للبنان وللمسيحيين، من تحقيق كل الشعارات والوعود (المؤجلة) التي كان يطلقها من “قصر الشعب”، مما دفعها لـ”الحج” إلى الرابية، لتقديم أوراق ولائها الشخصي والمهني لـ”الجنرال” العائد لإكمال مسيرته النضالية!

يومها وُعِدت، أو وَعَدت نفسها، بأن تكون المرأة “العونية” الحديدية (بالمفهوم السياسي، وليس العائلي) في القضاء اللبناني، عندما سيدفع بها “الجنرال” إلى تبوّؤ مناصب قضائية رفيعة، من ضمن تعيينات المحاصصة (!) تجعلها قادرة على أن تكون متميّزة في عملها القضائي، من خارج المألوف، تأثّراً وإقتداءً بشخصية “الجنرال” وترجمة لها، بما تنطوي عليه من إنفعالات عصبية جانحة، لإثارة مشاعر الناس وتأجيجها طائفياً وعرقياً، وذلك كنوع من تفجير لما تختزنه في داخلها من حقد دفين، جرّاء معاناة عائلتها من تداعيات التهجير من بلدتها الدامور، (مع تأكيدنا على تضامننا الانساني والأخلاقي مع كلّ من عانى مأساة التهجير الكارثية خلال الحرب المشؤومة).

عند دخولها السلك القضائي لم تكن معروفة، ولم يكن يُعرف عنها الكثير، ولم تتولَّ مناصب عالية، على الرغم من أنها تنقّلت بين عدد من المحاكم والدرجات، ولكن من كان يعرفها وقتها، يؤكد أنّها قبل الحقبة “العونية”، كانت دقيقة في عملها، ولم تسجل عليها أيّ شائبة تسيء الى سمعتها المهنية.

إلا أنّ صيتها القضائي بدأ يذيع عندما إندرج إسمها ضمن التشكيلات القضائية التي صدرت في عهد الرئيس ميشال عون، بحيث كشّرت عن أنيابها، خصوصاً عندما جاءتها الفرصة المنتظرة، من ضمن تشكيلات العام 2017، حين صدر في 12 تشرين الأول المرسوم رقم 1570، الذي أصبحت بموجبه نائبة عامة في جبل لبنان.

نُظر إليها منذ تلك اللحظة على أنّها المُدافِع الأول عن العهد، والناطقة بإسمه قضائياً، مما جعل “التيار الوطني الحر” يعتبرها “أيقونته” القضائية، بحيث تحوّلت بالنسبة إلى مناصريه المرأة الشفافة، والقاضية العادلة، التي تحارب منفردة ملفات الفساد، وتصارع قضائياً الطبقة السياسية الغارقة فيه.

لكن فاتهم أنها كانت تفتح الملفات تحت شعار “مكافحة الفساد”، غبّ الطلب السياسي من مرجعيتها السياسية – الرئاسية، بما يخدم مصالحها السياسية والشعبوية، بحيث أن المستشار القانوني في القصر الجمهوري سليم جريصاتي (المشهود له بقدراته الخارقة على إستنباط الاجتهادات والمطالعات القانونية وغير القانونية) من يديرها في تحديد الملفات التي يتوجّب عليها فتحها، وفقاً لتوقيت سياسي، يصب لمصلحة سيد العهد وصهره، وما عليها إلا الطاعة والتنفيذ، من دون تردّد أو تباطؤ، متجاوزة وضاربة عرض الحائط بالتراتبيّة القضائية والاختصاص والصلاحيات.

ومنذ تلك اللحظة بات إسمها مُرادِفاً لملفات كثيرة، ولاشكالات وإشكاليات وتوترات أكثر، وصار يتردّد على لسان العامّة والخاصة.

ومنذ أن تولّت منصبها، لا تنكفئ كل فترة عن إفتعال “إشتباكات” قضائية – سياسية، بحيث لا تتوانى عن إثارة التوترات، حتى بلغ بها “جنون العظمة” القيام بعراضات “كرنفالية” إنتقائية، برفقة مناصري تيارها، (الذين يرون فيها مثال الشجاعة والإقدام)، ولا سيما حين ظهرت تقتحم أبوابَ “شركة مكتف” بطريقة العصابات الميليشيوية، طالبة من مرافقيها الأمنيين وهي تصرخ بصورة هستيرية، وفي حالة من “الفجور” والشعر الأشعث، خلع أبوابها ومصادرة محتوياتها.

لم تستطع عون، ولم تتمكن من أن تنفصل عن مسار التيار الذي تنتمي إليه، ويحركها، ويؤمّن لها الغطاء والحماية، إذ هي دائمة التوتر والإنفعال والانتقام (!) تماماً كممارسات مؤسّس ورئيس أركان تيارها، القائمة على العدائية والخصومة والإقصاء والانتقام السياسي والشخصي.

إلى هذا الحد، لم تتمكن القاضية العونية المزهوة والمتكبرة من أن ترتقي إلى صفات القاضية المتجرّدة من عواطفها وإضطراباتها النفسية والسياسية (!).

كلّ أدائها وممارساتها ذات الخلفية الإنتقامية الحاقدة، كانا كافيين لأن يولدا هذا الكم الهائل من العدائية والكراهية والتقزّز تجاهها، مما جعلها بقدر ما هي فخورة بنفسها، مستهدفة على الدوام من داخل الجسم القصائي وخارجه، حاصدة العداوات المتراكمة، والحملات التي تشن عليه، خصوصاً مع تعثّر كلّ ملف فتحته “سياسياً”، والذي لم يصل واحد منها إلى أيّ نتيجة ملموسة.

غادة عون… قيمة مضافة في زيادة إفساد القضاء الذي أفسدته الطغمة السياسية الفاسدة، ومثال للقاضي الفاقد الأهلية الأخلاقية والمهنية، لأن يكون داخل الجسم القضائي، ويحكم باسم العدل.

ملاحظة:

هذا المقال لا يعفي ولا يدين الأشخاص والمؤسسات الذين إستهدفتهم القاضية غادة عون، وهو حصراً من صلاحية القضاء، متى كان نزيهاً ومتجرداً.

شارك المقال