ما يحول دون كفّ يد عون عن القضاء بعد قضائها عليه؟

زياد سامي عيتاني
القاضية غادة عون

“يا أنزه وأشرف الناس. يا مَن أنقذتَ البلد من أبشع عصابة إرهابية وجعلتَ من لبنان دولة نفطية. شكراً لأنّك كنتَ دائماً أميناً للقسَم. فناضلتَ ضدّ الفساد وتَمَسّكْتَ بالتدقيق الجنائي رغم كلّ التجنّي، ودعمتَ كلّ قاضٍ قرّر التضحيةَ بكلّ شيء في سبيل نصرة العدالة ومحاربة الفساد…”.

بكلمات الاطراء والمديح هذه، عبّرت القاضية غادة عون، عن مشاعرها تجاه الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون، عندما منحها وسام “الاستحقاق اللبناني”، تقديراً للخدمات القضائية للعهدِ “الجهنمي”، الذي لم توفر مناسبة للإشادة به، مرسلة بذلك إشارات الى من يلزم بأنّها ممثلة له ولفريقه السياسي في القضاء اللبناني، وفي الوقت نفسه تحظى بحمايته، وقد جعل منها خطاً أحمر، فأخذت تمعن وتسترسل من دون حسيب أو رقيب في خرق القوانين، وتجاوز إختصاصها، وفتح قضاء خاص بها.

وهذا ما دفعها، وفي سابقة خطيرة، الى أن تعبّر من خلال كتاباتها على “تويتر”، بخلفية سياسية، عن آرائها القضائية ومسلكيتها في مقاربة الملفات التي تتسلّمها، أو التي تتعدى عليها (!) وفي الوقت نفسه تهاجم وتنتقد وتدافع عن ملفات تقول إنها لا تتراجع عنها.

إلى هذا الحد من الوقاحة، كانت تستغل عون وظيفتها القضائية، مراكمة التجاوزات القانونية، ومستخدمة طريقة وأسلوباً شبيهاً بالعصابات، المفروض عليها ملاحقتها، فكان من الطبيعي والمنطقي أن تحظى بهذا الكم الهائل من العدائية والكراهية، فتتحول شخصاً مستهدَفاً على الدوام من داخل الجسم القضائي وخارجه، سياسياً وإعلامياً وأمنياً، خصوصاً وأن كل ملفاتها حتى الآن، إما سقطت أو تعثرت أو جمدت، مع إثارة ضجة قضائية وسياسية وإعلامية، مع كل ملف تحاول فتحه.

على خلفية هذه التصرفات أحيلت عون أكثر من مرة على التفتيش القضائي (الذي ينظر في تأديب القضاة)، كما إتّخذ المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات قراراً بكفّ يدها عن القضايا المتعلقة بالجرائم المالية. ومع ذلك، تجاهلت عون قرار رئيسها، ورفضت الانصياع له، واستمرت في عمليات التفتيش التي باتت أقرب إلى المشاهد الهزلية. كما قوبلت ممارساتها المريبة، وعصيانها المتكرّر إن من خلال رفض تبلغّ طلبات الرد الصادرة بحقّها أو من خلال رفضها المثول أمام المدعي العام التمييزي، بإنتقادات عدّة من مجلس القضاء الأعلى.

ونورد في ما يلي بعضاً من التجاوزات والمخالفات التي إرتكبتها عون، معطوفة على إحالتها على التفتيش القضائي من جراء ذلك:

– إحالتها من وزيرر العدل هنري خوري على التفتيش القضائي لمخالفتها القانون والسفر من دون إذن الى فرنسا واطلاق تصريحات سياسية والتهجم على القضاء.

– إحالتها من هيئة التفتيش القضائي، على المجلس التأديبي للقضاة، وذلك بناء على تحقيقات أجراها التفتيش القضائي في 12 دعوى مقامة ضدها، وبطلب مباشر من مجلس القضاء الأعلى، بفعل تمردها على قرار رئيسها القاضي عويدات، وتَخطّيها تنبيهات مجلس القضاء الذي حذرها من إطلاق تصريحات سياسية وتغريدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما هاجمت القضاء، متهمة إياه بالتغاضي عن محاربة الفاسدين، وغيرها من الدعاوى المقدمة من محامين بسبب تجاوزاتها في معرض تعاطيها مع ملفات عرضت عليها.

– رفض القاضية عون الامتثال لاستدعاءات المدّعي العام التمييزي 4 مرّات.

– التعدّي على صلاحيات النيابة العامة المالية وهيئة التحقيق الخاصة.

– قيامها بالتحقيق مجدّداً في قضايا جرى التحقيق فيها سابقاً خلافاً للمادة 182 عقوبات.

– توعدها بمقاضاة التفتيش القضائي.

– الضغط على القوى الأمنية لحثّها على مخالفة القوانين وقرار النيابة العامة التمييزية.

– التنسيق مع هيئات غير قضائية للالتفاف حول القانون ولتقديم شكاوى وفق توجيهاتها.

إذا كانت جريمة نيترات الأمونيوم كفيلة بتفجير مرفأ بيروت، فإن جرائم القاضية عون كفيلة بتهديم ما تبقى من القضاء، بدلاً من الانصراف إلى إعادة ترميمه! اذ تعتمد ثقافة تدميرية للقضاء، من خلال تجربتها مع ملفات عدة كشفت وجود خلفيات تحدد تحركاتها.

ما يدور داخل الجسم القضائي، بدأ ينزلق بسرعة، وهذا ما يرفع من منسوب تطييف القضاء اللبناني وتسييسه، والإطاحة به وإنهياره، أسوة بباقي مؤسسات الدولة، لذلك بات مطلوباً وبإلحاح شديد من الهيئات القضائية المختصة التدخّل لاسترداد هيبة القضاء وإعادة الأمور إلى نصابها، بعيداً عن تبادل الحملات غير المسبوقة في تاريخ القضاء اللبناني الذي يُعد آخر المؤسسات التي لم تنتقل إليها عدوى الانحلال، علماً أنّ من صلاحية مجلس القضاء الأعلى فرض عقوبات تأديبية على عون أو حتى إقالتها، وهذا يمكن السير به إن لم تقف الانقسامات الداخلية في المجلس عائقاً دون ذلك.

إقرأ أيضاً:

1- غادة… جسدت بتفوق الاضطرابات “العونية” في الجسم القضائي! (٢/١)
2- غادة… جسّدت بتفوّق الاضطرابات “العونية” في الجسم القضائي! (٢/٢)

شارك المقال