التواصل الداخلي لتمديد الشغور… والمفاجآت بروباغندا

هيام طوق
هيام طوق

لا يختلف اثنان على أن الانقسام بين المكونات السياسية في البلد عميق لدرجة أنه يستحيل لحمه أو ايجاد أرضية مشتركة يمكن البناء عليها ما يؤشر الى انسداد في الأفق السياسي والرئاسي. وما زاد في طين الانقسامات بلة، ترشيح “الثنائي الشيعي” رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بحيث أن الفريق المعارض يعتبره مرشح تحدّ، تماماً كما يرى فريق الموالاة في مرشح المعارضة النائب ميشال معوض، مرشح تحدّ.

إذاً، ترشيح فرنجية حرّك مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة منذ أيلول الماضي أي منذ مهلة الشهرين السابقة لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وسط الكثير من التحليلات والسيناريوهات عن المرحلة المقبلة التي يميل بعضها الى التفاؤل على اعتبار أن الاستحقاق الرئاسي وُضع على السكة الصحيحة وربما ينتخب رئيس في بداية الصيف المقبل فيما هناك قراءات أكثر تشاؤمية وسوداوية، مستندة الى المعطيات الحالية التي لا تبشر بنهاية سعيدة في المدى المنظور خصوصاً أن كل فريق متمترس وراء متراسه السياسي، مع العلم أن الجميع يدرك خطورة المرحلة، وأن البلد لم يعد يحتمل أي خضة لأن تداعيات الشغور تنعكس سلباً على المستويات كافة تحديداً على المستوى الأمني، اذ أن هناك تخوفاً من أحداث أمنية ربما تطل برأسها من خلال المخيمات الفلسطينية لا سيما من مخيم عين الحلوة، ما يهدد الاستقرار في البلد.

وبالتالي، هناك من يسأل: هل من مخطط للتوتير الأمني، والدفع الى انتخاب رئيس للجمهورية على الساخن؟ في حين أن هناك من يقول انه لا يجوز الانجرار خلف الأخبار والتحليلات الكثيرة والمتعددة والمتناقضة لأنه على الرغم من أن ظاهر الأمور يدل على التأزم الا أن التواصل قائم بين مختلف الأطراف، والأبواب ليست مقفلة كلياً، وربما تحصل مفاجآت تناقض التوقعات والقراءات .

وسط كل هذه الاجواء الملبدة والغامضة بحيث تبدو معابر الاستحقاق الرئاسي مجهولة، لا بد من التساؤل: ما حقيقة “الطبخة” الرئاسية التي تطبخ خلف الكواليس بعيداً من الضجيج الاعلامي، متخطية حالة الانقسامات والتصاريح التصاعدية كما يروّج لها بعض المسؤولين، أو أن اشاعة مثل هذه الأخبار تهدف الى ذر الرماد في العيون، وايهام الناس بالعمل فعلياً لفكفكة العقد الرئاسية، وبالتالي، لا طبخة ولا من يطبخون؟

أشار الصحافي والمحلل السياسي علي الأمين الى أن “الاتصالات تبقى بين الفرقاء المختلفين عبر وسائل مختلفة، لكن هل يمكن أن نقول ان هناك تسليماً داخلياً بوجوب حسم الأمور في الداخل والاتيان برئيس للجمهورية؟ الى اليوم، هذا مستبعد. وحزب الله لا يهمه الداخل بقدر ما يهمه الخارج بمعنى أنه يريد أن يقيم تسوية أو اتفاقاً مع الخارج يضمن المراحل اللاحقة بعد انتخاب رئيس الجمهورية، ويحصل على ضمانات بشأن وضعيته وألا يحصل معه كما حصل في ملف الترسيم، اذ أن الاميركيين لم يدفعوا له ثمنه لا من خلال المساعدات ولا من خلال رفع العقوبات. الحزب يريد اليوم الاتفاق مع الخارج على رئيس للجمهورية بشكل أنه يقدم تنازلاً يُقابل بمنح معينة اقتصادية ومالية، ويحمي المنظومة الحاكمة لأن لدى الحزب قلقاً من أن الامور تدفع باتجاه تغيير حقيقي على مستوى السلطة السياسية”.

ورأى أن “حزب الله ليس ساعياً الى انجاز تسوية مع الأطراف اللبنانية انما يسعى الى انجاز تسوية مع الخارج، الذي يبدو حتى الآن ليس مهتماً ولم يتجاوب، وبالتالي، أخذ خيار ترشيح فرنجية كنوع من رفع سقف المواجهة على قاعدة الاستعداد للتغيير انما بشروط. الحزب يريد أن ينجز تفاهماً أو اتفاقاً مع الأطراف الاقليمية والدولية سواء بصورة مباشرة أو عبر تفاهمات ايرانية – سعودية وايرانية – أميركية، وهذا غير ناضج”. ولا يتوقع “أن يحصل خرق جدي وحقيقي في مسألة انتخاب الرئيس في المدى القريب انطلاقاً من الاتصالات الداخلية لأن الحزب لا يعتبر أن الاطراف الداخلية صالحة للاتفاقات”، معتبراً أن “هدف الاتصالات يبقى شراء الوقت وتمديد الأزمة وليس تقصيرها. ولو وجدت الاتصالات الداخلية، فلن تصل الى نتيجة في الاستحقاق الرئاسي، والرهان على اتفاق مع الخارج”.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي بشارة خير الله أن “الحديث عن تواصل بعيد عن الاعلام ربما يؤدي الى مفاجآت في الاستحقاق الرئاسي ليس سوى جزء من عدة الدعاية الاعلامية لجهات معينة. الأمور ليست سهلة على الاطلاق انما معقدة. الأفق مسدود ولا حلحلة لا داخلية ولا خارجية”، لافتاً الى أن “لا أحد يمنع الآخر من التواصل، لكن هذا لا يعني أن هناك انفراجاً قريباً اذ عودنا فريق ايران في لبنان على اصراره على تحقيق ما يريد حتى لو طال أمد الشغور. من هذا المنطلق، الوضع سلبي جداً، واليوم بدل أن يكون همّ النواب كيف ينتخبون رئيساً للجمهورية، أصبح همهم كيف يمنعون مرشح ايران من الوصول الى سدة الرئاسة”.

وقال: “ليس بهذه السهولة يتراجع الثنائي الشيعي عن خياره، وربما من الصعوبة أن نشهد رئيساً خلال سنة 2023. الملف الرئاسي في الدائرة المقفلة، والخطر الأكبر ألا ينتخب رئيس للجمهورية الا على الحامي. نحن في أخطر مرحلة عرفها لبنان.”

وأوضح العميد المتقاعد خليل الحلو أن “ليس هناك من عقد في الملف الرئاسي انما قناعات، والحل الوحيد يكون بمرشح يرضي الطرفين بغض النظر عن التوصيف، لكن هذا المرشح غير واضح. وهنا السؤال: هل فريق الممانعة يرضى بشخص سيادي؟”، مؤكداً أن “أقنية التواصل بين الأطراف موجودة، وفي عز الحرب والأزمات، لم تنقطع هذه الأقنية اذ نجد دائماً من يسعى الى الخير، ويحاول ايجاد حل وسطي بين الفريقين الأساسيين في البلد، لكن من المستبعد أن يكون ما يتم التداول به في الصالونات المغلقة يتناقض مع المعلن، فالمواقف المتشنجة تشير الى أننا أمام طريق مسدود، وربما نحن في مرحلة انتظار ضغط ما داخلي أو خارجي للوصول الى حل”.

ورأى أن “الحديث عن مفاجآت في الملف الرئاسي يأتي في اطار البروباغندا، ورفع العتب وايصال رسالة الى الناس أن هناك مساعٍ حثيثة نحو انتخاب الرئيس. لكن المواقف واضحة، والمفاجأة الوحيدة أن يتخلى حزب الله عن شروطه، الا أنه لن يتنازل بسهولة عن خياراته كما أن السياديين لن يتخلوا عن مبادئهم السيادية. والتواصل لا يعني الحل، وأستبعد المفاجأة”.

شارك المقال