“14 آذار” انتفاضة وطن… ماذا بقي منها؟

تالا الحريري

كان لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تبعات عدة، أهمها نزول ثلث الشعب اللبناني إلى وسط بيروت، بمناسبة مرور شهر واحد على عملية الاغتيال تحت شعار “الحقيقة، الحرية، الوحدة الوطنية والاستقلال” بهدف إنهاء الوجود السوري على الأراضي اللبنانية وإنشاء لجنة تحقيق دولية. وأسفر ذلك عن نشوء “تحالف 14 آذار” الذي ضم عدداً من الشخصيات والأحزاب والحركات السياسية. فكرة 14 آذار تلاشت كما تلاشى جمهورها وتشرذمت قواها السياسية. فماذا بقي من روح 14 آذار؟ وكيف كانت تلك المشهدية المليونية آنذاك؟

يسترجع مسؤول قطاع الطلاب في الحزب “التقدمي الاشتراكي” آنذاك وعضو مجلس قيادة “الاشتراكي” حالياً، خضر الغضبان، المشهدية قائلاً لـ”لبنان الكبير”: “قبل 14 آذار كانت هناك تظاهرة 8 آذار وتجلّت بالحشد والكلام الاستفزازي وعبارات شكراً سوريا وطبعاً كان الرد في 14 آذار، فلبنان لم يشهد في تاريخه مثل هذا الزحف الجماهيري من كل المناطق والأطياف اللبنانية من أجل التأكيد على ثلاثية الحرية والسيادة والاستقلال. 14 آذار لم تكن وليدة اللحظة، بل تراكم نضال طويل بدأ منذ أواخر العام 1998 عندما باشرت القوى السياسية التواصل مع بعضها. كنا على مستوى الشباب نتواصل مع كل القوى على الرغم من أننا ممنوعون من التواصل معها، لأن النظام السوري وضع حواجز بين اللبنانيين. بدأنا في 1998 حوارات واجتماعات توجت باللقاءات السياسية وبزيارة البطريرك الراحل الكاردينال نصر الله صفير الى المختارة وهذا ما أزعج النظام السوري، وحينها بدأت المواجهة الأساسية وقانون الـ 2000 لاسقاط رفيق الحريري والقوى المسيحية ووليد جنبلاط. وأكملت هذه المقتلة بعد 14 آذار إلى جانب الاغتيالات وكان هدفها ترهيب الشعب اللبناني وقيادات 14 آذار. استمرت المعركة والمواجهة، لكن بعد 14 آذار 2005 فقدنا البوصلة التي جمعتنا في مواجهتنا للنظام السوري المخابراتي وكل أذرعه وأزلامه”.

ويصف المشهد بأنه “كان يوماً تاريخياً لا نزال نتذكره من العام 2005 حتى الآن، الحشود فاقت كل التقديرات، وفي هذا اليوم كل مداخل بيروت من كل الجهات امتلأت وكانت مغطاة باللونين الأبيض والأحمر الذي كان علم 14 آذار آنذاك”، مؤكداً أنه “كان لدى اللبنانيين قضية وحافز للتحرك من أجله، وكان لديهم أمل بتحرير بلدهم من سلطة الوصاية وتثبيت الحرية فيه وأن تكون سيادتهم كاملة غير منتقصة. وللأسف لم نستطع الحفاظ على ذلك وأكبر دليل هو الوضع الذي وصلنا اليه اليوم سواء على المستوى السياسي أو السيادي، وطبعاً الأكبر والأهم الانهيار الكبير الذي جعلنا نعيش حالة فقر وضياع على كل المستويات”.

ويشدد الغضبان على “أننا لن نحمّل المسؤولية لأحد، جميعنا أخطأنا، لم تكن هناك رؤية موحدة، نحن اجتمعنا ضد الوجود السوري وكرد فعل على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن قوى 14 آذار لم تكن لديها الرؤية الواضحة أو البرنامج السياسي بين كل مكوناتها باتجاه تطوير البلد وأخذه إلى بر الأمان، وهذا ما رأيناه في محطات كثيرة من (سين سين) إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وكيف أنّ هناك قوى معينة تحالفت معه وصولاً الى الجو الحالي. حتى مواجهة محور الممانعة لم تكن بهذه الجدية وهذه مسؤولية علينا كقوى أساسية في 14 آذار”، مشيراً الى أن “المواجهة السياسية بدأت تأخذ أبعادها المصلحية والفئوية على حساب المشروع الأكبر الذي يسمى بـ14 آذار أو مستقبل لبنان الحر السيد المستقل. حتى أنّه كان يجب الزحف إلى قصر بعبدا واقتلاع اميل لحود منه، لكن يومها دخلنا في الحسابات الطائفية الضيقة وصارت هناك أخطاء كبيرة وعدم وضوح في الرؤية، وتسويات وصفقات واستخفاف في تحمل المسؤوليات بالمواطن اللبناني وبأمنه الغذائي الاقتصادي. لو أن نسبة ضئيلة أكملت أو استثمرت هذه اللحظة واقتلعنا اميل لحود وانتخبنا رئيساً سيادياً بدلاً منه لكان المشهد أفضل مما نحن عليه اليوم”.

ويوضح أن “الأهم هو التخلي عن الثوابت الأساسية التي حملتها شعارات 14 آذار من حماية الدولة ومؤسساتها، الشفافية، وعدم الارتهان للخارج، فمصالح اللبنانيين كان يجب أن تكون أولوية، لكن تحول البعض من فرقاء 14 آذار الى جزء من هذه السلطة ودخلوا في المحاصصة وساوموا على هذه الثوابت”.

وعن تأثير خطاب رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط آنذاك، فيعتبر الغضبان أنه “كان من أوضح الخطابات، ورأينا حالة الانصهار الوطني الكبيرة بين كل مكونات الشعب اللبناني وكان الجمهور الأساس الموجود مباشرة أمام المسرح من الجو القواتي الذي هتف (بالروح، بالدم نفديك يا وليد) لكثرة الحماس والتفاعل. كان الهدف واضحاً والكل كتفاً الى كتف لندافع عن أنفسنا في وجه المقتلة التي قام بها النظام السوري. أنا أسميها انتفاضة الاستقلال أو انتفاضة الأرز، لم تكن ثورة، وبمفهومي مستحيل أن تقوم بتسويات بل تجرف كل شيء. وهذه الانتفاضة هي تراكم من العام 1998 وتجسد في الـ2005، ولو كانت ثورة حقيقية لكانت نتيجتها جذرية أكثر”.

وعن هذه المشهدية، يرى الصحافي جاد الأخوي أنّ “الشارع كان حاضراً لتحرك كهذا، ولكن كان هناك خوف من أن لا يسمح لنا الجيش بالدخول إلى ساحة الشهداء، وفي الوقت نفسه كان هناك احساس بأنّه لن يكون متشدداً وهذا ما اتضح في اليوم التالي”.

ويقول: “لا شك في أنّ تظاهرة 8 آذار ولّدت قوة تجمع عدد أكبر من الناس، فما حصل في 8 آذار جعل الناس تنزل إلى الشارع بصورة كثيفة في 14 آذار. لا يمكن أن ننكر أنّ 14 آذار كانت نقطة أساسية، هناك عدة فرقاء تغيروا، وكانت الأولوية لبنان إذ وصلنا الى القول (لبنان أولاً). بالطبع كل القوى السياسية توافقت ولا يمكننا أن ننسى وليد جنبلاط حين اتهم بالعمالة لأنه تكلم ضد سوريا، واغتيال الرئيس الحريري، ومحاولة اغتيال مروان حمادة ليوصلوا رسالة إلى جنبلاط، كما أصبح هناك نوع من الضغط النفسي عند الناس”.

وعن تشرذم هذه القوى السياسية، يلفت الأخوي الى أن “القوى في تلك الفترة كانت تأخذ المبادرة لكن بعدما تقرر انسحاب الجيش السوري لم يعد يأخذ فريق 14 آذار أي مبادرة. وهناك نقطة أساسية وهي أنّهم كانوا يحاولون استيعاب الممانعة وجمهور الحزب في الوقت الذي كان فيه الحزب يوصل رسائله من خلال الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي حدثت خلال تلك الفترة السابقة خصوصاً أنّ جيش النظام السوري انسحب من بيروت، فما عادوا يفكرون في قضية أخرى ولم يستكملوا هذه المبادرة بأمور أخرى، وهذا ما لعب دوراً سيئاً، لكن مبادئ 14 آذار ما زالت تجمعهم حتى الآن”.

ماذا لو كان استُكمل تحالف 14 آذار؟ يجيب الأخوي: “أمور كثيرة كانت تغيرت للأفضل، أولاً الانصهار بين كل الأحزاب والطوائف كان سيؤدي الى أمور غير تلك التي نعيشها اليوم. لم تكن لتحدث أمور المافيا والميليشيا، لكن بعد 14 آذار مشوا بالترويكا، طبّقوا الاتفاق الثلاثي، أزاحوا الطائف وصار هناك تقاسم، وفلت الفساد من كل الجهات”.

شارك المقال