اجتماع باريس يحبط الممانعين

صلاح تقي الدين

لا يزال فريق الممانعة المزهو بالاتفاق الذي رعته الصين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في إيران يعوّل على أن تقدم المملكة على التراجع أمام شروط “حزب الله” وانتخاب رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، غير أن الاجتماع الثنائي الذي احتضنته باريس، التي تلعب دور المسهّل لهذا الأمر، جاءت نتائجه على عكس أمانيه.

فاستناداً الى آخر المعطيات التي توافرت عن الاجتماع بين الوزير السعودي المفوض بالملف اللبناني نزار العلولا والسفير السعودي لدى بيروت وليد بخاري من جهة والوزير الفرنسي المفوض باتريك دوريل من جهة ثانية، فإن الموقف السعودي من الانتخابات الرئاسية اللبنانية لم يتزحزح قيد أنملة ولا تزال الرياض متمسكة بالمواصفات التي وضعتها للرئيس اللبناني العتيد ولم ولن تدخل في لعبة الأسماء إطلاقاً، علماً أن هذه المواصفات لا تنطبق على فرنجية التي تحاول باريس التسويق له كرمى عيون طهران.

وقالت مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة إن العلولا أبلغ دوريل صراحة أن الرياض لن تدخل في لعبة الأسماء ولا تزال تصر على أن يكون الرئيس اللبناني العتيد شخصية لا تنتمي إلى محور الممانعة الذي يقوده “حزب الله”، وهي بالتالي لا ترفض فرنجية لشخصه بل لما يمثل من استكمال لسيطرة الحزب على القرار السياسي اللبناني المستمر منذ تمكنه من إيصال الرئيس السابق ميشال عون إلى السلطة في العام 2016.

وشدّدت المصادر الديبلوماسية لموقع “لبنان الكبير” على أن الانعكاسات الايجابية للاتفاق الذي توصلت إليه المملكة مع الجمهورية الاسلامية برعاية صينية يجب أن تبدأ بالتحقق مع إنهاء الحرب الدائرة في اليمن أولاً وإيجاد الاستقرار الأمني والسياسي فيه قبل أن ينعكس إيجاباً على المنطقة الممتدة من العراق إلى سوريا فلبنان.

وكانت تقارير إعلامية أشارت إلى أن الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي قبل دعوة وجهها إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة الرياض، وهذه الخطوة ستشكّل باكورة التعاون المنتظر بين الدولتين الاسلاميتين الكبريين في المنطقة وتفتح صفحة جديدة من تاريخ العلاقات بينهما والتعاون لتحقيق الاستقرار والتنمية اللذين سينعكسان إيجاباً على باقي دول المنطقة.

ولأن الاهتمام بالوضع الداخلي للجمهورية الاسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية على السواء يأتي في المقام الأول من بنود الاتفاق التاريخي بينهما، فإن الملف اللبناني وإن كان يشكل اهتماماً مباشراً للدولتين إلا أن معالجة الأزمة السياسية التي يتخبط بها لبنان تقع وفقاً للمصادر عينها على عاتق الفرقاء السياسيين اللبنانيين أنفسهم وستكون الرياض وطهران مسهلتين لأي توافق يصل إليه اللبنانيون.

وأكدت المصادر أن كل ما حكي عن تسوية تقضي بانتخاب فرنجية رئيساً على أن يتم تكليف السفير نواف سلام برئاسة الحكومة الأولى في العهد الجديد، ليست سوى فقاعات إعلامية مرفوضة من الرياض لاعتبارات مختلفة، وهي أصلاً نأت بنفسها عن الدخول في مثل هذه التسوية.

وأمام هذا الموقف السعودي الصلب، تعتقد المصادر أن على الثنائي الشيعي الذي سارع إلى ترشيح فرنجية للرئاسة أن يبدأ بالتفتيش عن اسم ثالث على غرار ما فعله رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي يسعى من خلال اتصالاته المحلية والخارجية الى بلورة صيغة تنص على الاتيان برئيس جمهورية لا يشكل تحدياً لأي فريق، وأن يصار إلى استغلال مناخ الحوار والانفتاح الذي شكّله الاتفاق السعودي – الايراني الذي يعتبر بارقة أمل في إيجاد حل أولي للأزمة التي يعاني منها لبنان.

وإذ شكّل الموقف السعودي في باريس نوعاً من الاحباط أمام الفريق الممانع الذي كانت أوساطه الاعلامية قد شنت حملة تسويق لفرنجية على قاعدة “إما فرنيجة أو لا رئيس”، وصولاً إلى تسويق فكرة أن جنبلاط قد يمنح أصوات خمسة نواب من “اللقاء الديموقراطي” لصالح فرنجية، فإن واقع الأمر لا يعدو كونه أكثر من محاولة ليست بريئة لاحباط “مبادرة” جنبلاط.

ويقول أمين السر العام في الحزب “التقدمي الاشتراكي” ظافر ناصر لموقع “لبنان الكبير”: “إن موقفنا من الاستحقاق الرئاسي واضح ولا لبس فيه. نحن مع انتخاب رئيس لا يشكل تحدياً لأحد ولن نصوّت لصالح فرنجية ليس لشخصه، بل لأنه يشكل تحدياً لفريق يعتبر ترشيح النائب ميشال معوض تحدياً”.

ويضيف ناصر: “لقد طرح رئيس الحزب لائحة من ثلاثة أسماء نعتبر أنها لا تشكل تحدياً لأحد وهي توافقية لكننا منفتحون أمام مناقشة أي اسم آخر ولا يقتصر بحثنا عن الرئيس العتيد على الأسماء الثلاثة. لم نسمع أجوبة عن طرحنا إلا من خلال الاعلام. الحوار وحده الكفيل بإيجاد حل لأزمة الرئاسة وعلى جميع القوى السياسية تلبية دعوات الحوار التي انطلقت من عين التينة وبكركي وكان رئيس الحزب من المنادين بالحوار دائماً وأبداً”.

لا تزال عقدة الرئاسة عصية على الحل ما لم يلبّ القادة الموارنة دعوة البطريرك بشارة بطرس الراعي إلى الحوار للاتفاق على اسم شخصية قادرة على أن تكون مقبولة مارونياً ووطنياً لتصل إلى بعبدا وتبدأ مسيرة إنقاذ لبنان من عمق الهاوية التي أوصله إليها “العهد القوي”، ومهما حاول الموارنة نفي مسؤوليتهم عن عدم القدرة على انتخاب رئيس فذلك لا يعفيهم من حقيقة أن اتفاقهم ينقذ لبنان واستمرار اختلافهم يسير بالبلد إلى الهاوية وجهنم أكثر وأكثر.

شارك المقال