عن الامبراطورية الصينية الروسية الجديدة

حسناء بو حرفوش

عندما حذر الرئيس الأميركي رونالد ريغان في 8 آذار 1983، من “الدوافع العدوانية لامبراطورية الشر” في “الصراع بين الحق والباطل والخير والشر”، كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي دولتين غارقتين في الحرب الباردة ومنغمستين في المخاوف التي تتعلق بالحد من التسلح والانتشار النووي. وبعد أربعة عقود، اكتسبت هذه الكلمات مصداقية أكثر من أي وقت مضى، حسب قراءة في موقع “ذا هيل” الالكتروني.

ووفقاً للمقال، “كانت (إمبراطورية الشر) حسب توصيف ريغان والتابعة للاتحاد السوفياتي قد انهارت بنهاية العام 1991 مع سقوط الحكم الشيوعي للأراضي التي انتزعها جوزيف ستالين من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية. وبدت آفاق الديموقراطية في روسيا السوفياتية السابقة مشرقة للغاية في أيام ما بعد الاتحاد السوفياتي وما بعد الشيوعية.

ربما لم يعد الاتحاد السوفياتي موجوداً اليوم، لكن يتضح أن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، آمالاً بإحياء دور موسكو في أوروبا وفي أماكن أخرى من خلال غزوه طويل الأمد لأوكرانيا. ويتوق الى استعادة ما يعتبره أيام العظمة الروسية، والى تاريخ الأقمار الصناعية السابقة لروسيا في أوروبا الشرقية إلى كوريا الشمالية، حيث يعود ليس إلى عصر الحكم الشيوعي وحسب، ولكن إلى أيام مجد القيصر. أضف إلى ذلك، أن تخيلات بوتين عن نهضة القوة الروسية في أوروبا الشرقية ليست التذكير الوحيد بوجود (إمبراطورية شريرة) تواجه الناتو والأميركيين.

وفي السياق عينه، كان الرئيس أيزنهاور قد اعتمد تشبيهاً آخر ركز فيه على (نظرية الدومينو)، في الحوار حول نوايا الصين. ولكن نادراً ما يتوافق التاريخ مع كل ما هو متوقع تماماً. لطالما كان من المألوف الاستهزاء بـ (نظرية الدومينو) التي نصت على أن دول جنوب شرق آسيا ستسقط مثل صف من الدومينو إذا سقطت المستعمرات الفرنسية السابقة في الهند الصينية وفيتنام وكمبوديا ولاوس في أيدي الشيوعية.

في الصين على سبيل المثال، بعد وفاة ماو تسي تونغ في العام 1976، تحسنت النظرة إلى العلاقات الصينية مع الولايات المتحدة بعد سنوات من العداء، بما في ذلك الحرب الشاملة بين القوات الأميركية والصينية في كوريا من العام 1950 إلى العام 1953.

وتحسنت العلاقات بصورة ملحوظة بعد زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنري كيسنجر للصين في شباط 1972، والتقيا بماو وتشو إنلاي. وقام الرئيس جيمي كارتر، في كانون الثاني 1978، بتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع بكين. بعد أكثر من عقد من الزمان، في حزيران 1989، شن دينغ شياو بينغ حملة صارمة على المتظاهرين الذين احتجوا في ميدان تيانانمين، لكنه حكم باعتباره براغماتياً اقتصادياً وشجع الرأسمالية في ظل الحكم الشيوعي.

لكن إلى أي مدى قد تغير الوضع بالفعل؟ بعد مرور 30 عاماً على تنازل البريطانيين عن هونغ كونغ للصين في العام 1997، قامت الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ، أقوى زعيم منذ ماو، بإخماد الاحتجاجات التي طالبت بحق مستعمرة التاج السابقة في سن قوانينها الخاصة وانتخاب قادتها.

إذا لم تسقط دول جنوب شرق آسيا تماماً مثل صف من قطع الدومينو، فيمكن للمرء اعتماد تشبيه لمباراة الشطرنج التي تقوم فيها الصين بأقوى الحركات، وربما لم تتغلب على بقية المنطقة كما يُخشى، لكنها ركزت على أهداف منتقاة بدقة. وتهدد الصين، التي تدعم كوريا الشمالية بقوة أكبر من أي وقت مضى، تايوان بضراوة متزايدة وطالبت بقواعد في بحر الصين الجنوبي وعززتها ووسعت انتشارها عبر جنوب آسيا والشرق الأوسط إلى أفريقيا.

وتؤكد الأحداث الجارية تلك العبارات التي استعان بها ريغان وأيزنهاور لتوصيف الحال. وعلى أي حال، من المحتمل أن تكون التوترات اليوم أسوأ مما كانت عليه خلال الحرب الباردة. قد تواجه القوات الروسية والصينية بعضها البعض يوماً ما، لكن القادة يعرفون جيداً أن (عدو عدوي هو صديقي). ومن الناحية التاريخية، غالباً ما فرقت روسيا والصين الخلافات على طول حدودهما الآسيوية التي يبلغ طولها 1000 ميل، أما ما يجمعهما حتى الآن، فهو الحماسة لدفع حدود القوة ضد الولايات المتحدة وحلفائها”.

تتحول “إمبراطورية الشر” للحكم السوفياتي القديم إلى إمبراطورية صينية روسية جديدة، حيث تسعى كل دولة الى تحقيق أهداف توسعية عبر الحدود البرية والبحرية على بعد آلاف الأميال. وبعد أربعين عاماً من هجوم ريغان ضد “إمبراطورية الشر” في موسكو، يبدو أن التاريخ قد يعيد نفسه”.

شارك المقال