هل نضجت ظروف عودة سوريا الى الحظيرة العربية؟

زياد سامي عيتاني

“حان الوقت لعودة سوريا إلى الحظيرة العربية”…

بهذه العبارة، استقبل رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نظيره السوري بشار الأسد، الذي زار الامارات ولقي إستقبالاً لافتاً من قيادتها، تميّز عن العام الماضي، بحيث تلقى تحية دينية أثناء دخول موكبه إلى القصر الملكي، فضلاً عن أن المقاتلات الاماراتية استقبلت طائرته.

وكان الأسد وصل برفقة عقيلته أسماء إلى أبو ظبي منذ حوالي عشرة أيام، بعد زيارة سلطنة عمان الشهر الماضي، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي أبقت على جسور التواصل مع نظام الأسد منذ إندلاع الحرب السورية، والتقى العديد من الحكّام المؤثرين، الذين أبدوا استعدادهم لتعزيز العلاقات مع سوريا مرة أخرى.

مع الاشارة في هذا المجال الى أنّ الأسد لم يكن قد غادر بلاده، التي مزقتها الحرب إلّا لزيارة روسيا وإيران، وكلتاهما من الداعمين العسكريين لنظامه.

تزامنت الزيارة مع مساعي تبذل لاعادة سوريا إلى الحظيرة العربية، وهي المعزولة سياسياً في المنطقة، والمطرودة من جامعة الدول العربية، منذ العام 2011، عندما بدأ النظام بقمع التظاهرات الاحتجاجية، التي ما لبثت أن تحوّلت إلى حرب داخلية مفتوحة، فتحت شهيّة دول إقليمية ودولية للدخول إلى العمق السوري من خلالها، مما جعل من الساحة السورية، ساحة مواجهة بين دول للإمساك بنظام الحكم فيها، لتعزيز حضورها في المنطقة، بحيث حصدت تلك الحرب وفقاً لاحصاءات الأمم المتحدة حتى الآن 350 ألف شخص.

وهذه الزيارة يمكن أن تمثّل تحسّناً محتملاً في علاقات سوريا مع جيرانها العرب، الذين كانوا قد عزلوا الأسد في السابق. وهو ما يمكن استنتاجه من خلال إبلاغ رئيس دولة الامارات نظيره السوري بأن “سوريا غابت عن إخوانها لفترة طويلة، وقد حان الوقت لتعود إليهم وإلى محيطها العربي”…. وقال: “أجرينا محادثات بناءة تهدف إلى تطوير العلاقات بين بلدينا”. وأضاف: “مناقشاتنا بحثت أيضاً في سبل تعزيز التعاون لتسريع الاستقرار والتقدّم في سوريا والمنطقة”.

وأتبع ذلك بموقف متقدّم لمستشار الرئاسي الاماراتي أنور قرقاش، الذي نشر تغريدة كتب فيها: “إنّ نهج الإمارات وجهودها تجاه سوريا جزء من رؤية أعمق ومنهج أوسع يهدف إلى تعزيز الاستقرار العربي والإقليمي”. وقال: “موقف الامارات واضح في ما يتعلّق بضرورة عودة سوريا إلى مكانتها في العالم العربي وإستعادة الشرعية في المنطقة”.

وقال المحلل الاماراتي عبد الخالق عبد الله: “إنّ أبو ظبي مقتنعة إلى جانب العديد من الدول العربية بأنّ الوقت قد حان للتصالح مع الأسد، ورؤية سوريا تعود إلى جامعة الدول العربية”. وأشار الى أنّ “الامارات تقود جهود المصالحة مع أعداء الماضي وتحويلهم الى أصدقاء الغد”.

بدوره، أشاد الأسد بدور الامارات في تعزيز العلاقات بين الدول العربية، منتقداً سياسة قطع العلاقات بينها، ووصفها بأنّها “مبدأ غير صحيح في السياسة، بحجة أنّ العلاقات يجب أن تكون أخويّة”.

يذكر أنّ أبو ظبي قادت جهود الاغاثة في أعقاب زلزال 6 شباط الماضي، الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف. وتعهّدت بتقديم أكثر من 100 مليون دولار كمساعدات لسوريا التي ضربها الزلزال، وهو المبلغ الأكبر من أيّ دولة بمفردها. كما أرسلت فريق بحث وإنقاذ، وقدّمت آلاف الأطنان من مواد الاغاثة الطارئة وقدّمت العلاج الطبي لضحايا الزلزال السوري في المستشفيات الاماراتية.

وبفعل هذه الوقفة الانسانية لدولة الامارات، أصبح وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيّان الشهر الماضي أول مسؤول عربي كبير يزور سوريا منذ الزلزال.

على المقلب الآخر، أشار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الشهر الماضي إلى وجود إجماع على نهج جديد لمعالجة الأزمات الانسانية في سوريا بما في ذلك الزلازل.

وفي موازاة الانفتاح العربي تجاه سوريا، توقّع مطلعون على موقف تركيا، التي أيدت التمرّد ضد الأسد، أنها مستعدة الآن للاعتراف علناً بحكمه، والعمل على إعادة بناء العلاقات الديبلوماسية والأمنية والتجارية.

يتمثّل أحد الدوافع الرئيسة لاعادة دول الخليج العربي علاقاتها مع سوريا، في الحدّ من توسّع نفوذ إيران في العمق السوري، والذي شهد انتشاراً متسارعاً من جراء فوضى الحرب السورية. يضاف إلى ذلك، وصول الحرب إلى طريق مسدود وإستعادة الأسد السيطرة على معظم أنحاء البلاد بفضل المساعدة العسكرية من الحليفين روسيا وإيران.

هذان العاملان، إضافة إلى العامل الانساني بتقديم الدعم والمساعدة للسوريين من جراء آثار الزلزال، جعلت الدول العربية تقترب من إستعادة العلاقات مع النظام السوري، الذي بات بحاجة ملحة الى الدعم العربي، بعدما اقتصر الدعم الروسي والايراني حصراً على الجانب العسكري.

فسوريا تحتاج بشدة إلى تعزيز العلاقات مع الدول العربية الغنية بالنفط، بحيث يتعرّض إقتصادها للاختناق بسبب العقوبات الغربية، المعوّقة لمهمة إعادة الاعمار بعد الحرب. إذ من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي لسوريا بنسبة 5.5٪ في العام 2023 بعد الزلازل، وفقاً للبنك الدولي.

وتُقدّر الأضرار المادية بـ 3.7 مليارات دولار والخسائر الاقتصادية بـ 1.5 مليار دولار، بالإضافة إلى الأضرار الموجودة مسبقاً من 12 عاماً من الحرب.

إذاً، دمشق بحاجة إلى دعم دولي للمساعدة في إعادة بناء البلد المنكوب، وتعتمد على المصالحة الاقليمية للمساعدة في إطلاق هذه الأموال.

لكنّ، السؤال البديهي الذي يُسأل: أين الإدارة الأميركية من كلّ هذا الحراك الديبلوماسي الشرق أوسطي، الذي يصفه البعض بالفورة؟

لقد أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات الأسبوع الماضي مع الأسد في موسكو، فيما كثّف الكرملين جهوده لاعادة العلاقات بين تركيا وسوريا.

وجاء النشاط الديبلوماسي بعد زيارة قام بها كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين للقوات الأميركية وحلفائهم الأكراد في شمال شرق سوريا، حيث احتفظت واشنطن بوجودها لما يقرب من ثماني سنوات.

إلّا أنّ الولايات المتحدة انتقدت زيارة الأسد لأبو ظبي، قائلة إنّها تشعر “بخيبة أمل شديدة ومضطربة من قرار الامارات الترحيب بالأسد”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس: “نحثّ الدول التي تفكر في التعامل مع نظام الأسد على أن تزن بعناية الفظائع المروّعة التي ارتكبها النظام على السوريين خلال العقد الماضي”!.

يشار الى أنّه وحتى الآن، لم تنفذ حكومة الأسد بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي تمّ تبنيه في كانون الأول 2015 كخريطة طريق للسلام، علماً أنّ تطبيقه يعدّ خريطة طريق ومطلباً رئيساً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتطبيع العلاقات مع دمشق.

غير أنّه مع دخول الصين وروسيا إلى الشرق الأوسط من أبوابه الواسعة، خصوصاً بعد رعاية الأولى لاتفاقية إعادة العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وإيران، ومساعيها لعقد لقاء على مستوى رفيع بين القيادتين السعودية والسورية، فإنّ واشنطن لم تعد اللاعب الأوحد في الاقليم، مما يفقدها حصرية التحكّم بمساره، وبالتالي عليها التعاطي بواقعية مع هذا المتغير.

فهل الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، كان من تداعياته التأثير الإيجابي على تضاريس الخارطة السياسية في المنطقة، مقابل التأثير التدميري على المدن التي ضربها؟

الشرق الأوسط مقبل على تحولات كبرى، ولا يستبعد أن يكون تحقيقها على “الساخن”، لمقايضة التفاهمات على أزماته بين الدول ذات التأثير!

شارك المقال