هل تعود الثورة الى الشارع؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

هل يعود ثوار 17 تشرين إلى الشارع؟ سؤال يتكرر كلما حلق سعر الدولار عالياً وارتفعت نسبة الغضب وزاد خوف اللبنانيين من الجوع والفقر بعد أن سرقت أموالهم، وبعد السياسات المعتمدة في “حلب” ما في جيوبهم، إن كان عبر رفع الدولار الجمركي أو اجراءات مصرف لبنان بين “صيرفة” و”فريش دولار” والتعميم 158 أو سلوكيات المصارف المخزية في الاضراب وحجز أموال المودعين بحجة أنها أدانتها للدولة التي سرقت ونهبت وهرّبت ثرواتها الى الخارج من دون حسيب أو رقيب.

الواضح أن حراك العسكريين المتقاعدين يوم الأربعاء الماضي، أعطى دليلاً واضحاً على أن امكان عودة الثورة غير متوافر في المدى المنظور، على الرغم من الحشد الواضح الا أنه كان دون مستوى ما حصل في انتفاضة تشرين 2019، وتبين أن سياسة السلطة القمعية على حالها لا بل أشد خطورة في الاجراءات والتعامل، فالمواجهات التي شهدناها كانت بين أبناء المؤسسات العسكرية، فأحد المشاركين خلع كتفه وآخر أصيب برصاصة مطاطية في عينه وهم ليسوا شباباً بل كبار في السن وأي اصابة ستكون مكلفة لهم مادياً ومعنوياً، وآخرون ضربوا وأهينوا أمام مداخل السرايا، حيث رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزراؤه كأنهم في عالم آخر، كما هو حال النواب في المجلس الغارقين في المهاترات من دون أن تكون لديهم الجرأة على المساءلة، أو القيام بمهامهم بإنتظار أوامر من أتى بهم الى البرلمان.

الوضع ميؤوس منه، فليس من السهل اعادة الناس الى الشارع وتحمل التبعات من دون أي حسابات كما كان عليه الوضع في ثورة 17 تشرين حيث كانت فئة الشباب غالبة، والناشطون السياسيون الذين قادوا تلك المرحلة غير معروفين وبعضهم لم يكن له أي نشاط سابق، الا أن التعامل معهم بالقوه أجبرهم على الهجرة بعد التحقيقات وتلفيق التهم لهم من الأجهزة الأمنية. كما أن الساحة فتحت على الأحزاب الايديولوجية وهي غير قادرة على تحريك الشارع وإن قامت باستعراضات لا طائل منها اليوم كونها تعيش في الماضي، وتسكت عن سلاح “حزب الله” الذي جال في دول عربية وتسبب بأزمات وانهيار الأوضاع نتيجة تحكمه بالسلطة بحجة الدفاع عن سلاحه، وبعد أن دمر مؤسسات الدولة ليبني في المقابل دويلة مذهبية غير قابلة للحياة مهما تبجح مرشدها في الضاحية الجنوبية، بالاقتداء بنظام القرض الحسن.

يشير ناشطون سياسيون الى أن الناس غير قادرة على التحرك وليس هناك من يستطيع تحمل كلفة التنقلات، والمغتربون اللبنانيون الذين دعموا الثورة على أمل التغيير في الطبقة الحاكمة لم يعودوا واثقين بأن دعمهم سيؤدي الى نتيجة لا سيما في ظل الخلافات التي سادت بين المجموعات خلال تجربة الانتخابات النيابية، فعلى الرغم من أن الكتلة الشعبية الأكبر صوّتت لصالح مرشحي الثورة فنالوا أصواتاً أكثر من التي نالها مرشحو “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، الا أن ذلك لم ينفع، نتيجة الأنانيات وقلة الخبرة وسعي البعض الى الوصول للمجلس النيابي والتخبط في مواقف سياسية تخدم أطرافاً في السلطة وارتكاب أخطاء تسببت بشرذمة المجموعات واختراقها وعرقلة محاولات التغيير، أي أن النهايات السعيدة لم تكن مكتوبة للثورة لاحداث تغيير عن طريق عملية الانتخاب الديموقراطي، كما أن الشعب اللبناني سلم أموره الى القدر الخارجي فهو يدرك أن لا حلول داخلية، لا سيما وأن الطبقة الحاكمة كرّست وضعها في السلطة وهي تنتظر الخارج، كما أن ثقة الناس بالتغييريين اهتزت بعد فشل رهانها عليهم لمواجهة سلطة الدويلة وسياساتها التي دفعت بلبنان نحو الانهيار، اذ استطاعت هذه السلطة ترميم نفسها وتشبثت بمواقعها فيما كانت مؤسسات الدولة تتآكل وتهتري لتنهض مؤسسات حزب المرشد على أنقاضها.

لا يغيب عن هؤلاء الناشطين الاشارة الى واقع ملموس هو أن لبنان يتجه نحو الافلاس الحقيقي، فليست هناك قطاعات تدخل أموالاً الى الخزينة، ولم يعد المغتربون يرسلون أموالهم الى لبنان نتيجة سياسات المصارف والطبقة السياسية، وبالكاد تستطيع الدولة تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين وتدعم بعض المواد الضرورية وهي تعتمد سياسات غير شعبية، مثل زيادة التعرفة على القطاعات الخدماتية والضرائب، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يرتفع سعر الدولار الى ما لا نهاية، كما أن الاحتياطي من العملات الصعبة في مصرف لبنان لا يكفي 3 أشهر، وليس في الأفق أي انفراج اقتصادي في غياب الحل السياسي واستمرار السياسات الكارثية المعتمدة من الطبقة الحاكمة ومن “حزب الله”.

ويعتبرون أن “الحل السياسي مطلوب حتى تفرج في الاقتصاد، ولا بد من اعادة بناء الدولة وهذا يحتاج الى قرار من حزب الله بالانسحاب من دول المنطقة وعودته مع سلاحه الى الداخل، ووقف دعم الفاسدين وانهاء محمياته الأمنية والدخول الى الدولة، لا صناعة دولة رديفة. هذا هو التغيير المطلوب، لأن التغيير الشعبي غير قادر وغير وارد في الظروف الحالية، وما يؤخرنا هو الوضع المالي للناس الذين يزدادون فقراً وليست لديهم أموال للتنقل بين المناطق وحتى للذهاب الى وظائفهم أو قضاء حاجاتهم المعيشية. لقد اهتزت ثقة الناس بالثورة منذ الانتخابات النيابية، وهو ما يجعل القدرة على الحشد في الشارع صعبة. وطبعاً اذا لم يقم حزب الله بخطوات للتلبنن فالدعم الخارجي من الدول العربية سيبقى متوقفاً، والبديل هو الفوضى المخيفة. وليست حوادث الانتحار الأخيرة ومعظمها في بيئة حزب الله الا دليلاً على شعور اليأس الذي يتحكم بالناس واقفال طرق الحل، فهم يشعرون أن لا مستقبل لهم ولا طمأنينة عيش مع ارتفاع سعر صرف الدولار، من هنا لا بد من حل سياسي لتأمين الاستقرار ووقف التلاعب بالدولار”.

ويؤكد هؤلاء أن “الثوار مستمرون في العمل من أجل تحريك بعض القضايا، وتنظيم تحركات احتجاجية، وقد نجحوا في توحيد نشاط جمعيات وهيئات تهتم بقضايا المودعين بحيث سيتم الاعلان عن اتحاد يجمعهم خلال أيام قليلة والتحرك على الأرض، لأن أموال الناس في البنوك يجب أن تعود اليهم، وعلى الرغم من الخلافات بين هذه الجمعيات الا أنها اتفقت على التجمع وهناك اقتراحات عدة يجري العمل عليها لحفظ حقوق المودعين وهي حلول ممكنة التنفيذ وليست عصية عليها، مثل تعويض المودعين من أموال وعقارات المصارف والشركاء والمدراء واعطاء أسهم في المصارف وفي ادارات الدولة المربحة، وأسهم في مشاريع عقارية جديدة وفي مشاريع تبنى على المشاعات التي يجب أن تسترد ممن اعتدوا عليها من قوى حزبية، الى ما هنالك من سياسات تخرجنا من حالة الرعب التي نعيش فيها”.

شارك المقال