فرنسا وأزمة لبنان: خيارات مربكة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

في الظاهر يبدو أن الملف اللبناني لزم الى فرنسا، وهو ما يفسر ارتباك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في معالجته، لكونه كان يقدم نظرية تقوم على قاعدة أنه اذا استطاع “حزب الله” تأمين 65 نائباً فهذا يعني أنه قادر على الذهاب في تسوية تقوم وفق معادلة سليمان فرنجية للرئاسة ونواف سلام رئيساً للحكومة. لكن الترويج لمثل هذه التسوية يعني تكراراً لتجربة تسوية 2016 التي جاءت بميشال عون الى كرسي الرئاسة، ولا يمكن انتاج تسوية مع أي رئيس للجمهورية الا اذا كان هناك اتفاق كامل سلفاً. فالرئيس عندما يصل الى بعبدا يعد بالكثير ثم يبدأ بالعرقلة من خلال التكليف والتشكيل ونوعية الوزراء وما يمكن أن يتضمنه البيان الوازري الى ما هنالك من أمور خبرها اللبنانيون جيداً خلال تجربة عهد عون الجهنمي وتعاطيه مع تشكيل الحكومات وعرقلة مشاريعها، ما يعني أن الموافقة على تسوية فرنجية – سلام هي الدخول في أزمة جديدة، وهذا ما نبهت الفرنسيين اليه المملكة العربية السعودية التي لا تجد أن المشكلة في الأسماء وليس لديها فيتو على شخص، بل هي لا تريد الاتيان برئيس يستفز أي طرف وفرنجية غير مقبول عند المسيحيين ومرتبط بـ “حزب الله” ومشاريعه، واذا كان هناك اصرار عليه فليعالج الموضوع اللبناني من خلال فرنجية لكن عليكم تحمل تبعات فشل هذا الخيار.

كيف ولماذا سيكون الفشل من نصيب الفرنسيين؟ تجيب مصادر مطلعة “لبنان الكبير” بالقول: “في الدرجة الأولى لن تموّل السعودية أي رئيس لا يرضى به كل اللبنانيين ويميل الى طرف ويأتمر بتوجهاته، أي رئيس غير وفاقي ولا اتفاق حوله، وحتى لو شاهدنا أن السعودية تعمل على اعادة العلاقات مع النظام السوري وتحاول اعادة سوريا الى الحضن العربي، وقبل ذلك أعلنت عن اتفاق مع ايران، لكن هذا لا يعني أنها ستسلم برئيس في لبنان معين من حزب الله، لا سيما وأنها تدرك أن طريق اتفاقها مع ايران سيكون طويلاً وأن على الأخيرة الالتزام بتطبيقه، وبالتالي احتضان سوريا واستعادتها ستكون لهما تجليات في لبنان بطريقة غير مباشرة، والاجتماع التشاوري الأخير الذي عقد في باريس غرّد خلاله الفرنسي خارج السرب وتبين أنه لا يتقارب في موقفه مع القوى الدولية، فالسعودية مصممة على موقفها والولايات المتحدة ترى أن لبنان غير جاهز لتسوية والبنك الدولي يحذر من خطورة الوضع في لبنان ويعطي مهلة لتطبيق الاصلاحات، إذاً الفرنسيون محرجون فليس هناك تصور كامل لكيفية التعاطي مع أزمة لبنان”.

وتشير المصادر الى أن “التوجه لدعم صيغة سياسية جديدة للبنان أمر غير مطلوب ولا تتوافر له الظروف المناسبة نتيجة الوضع السائد حالياً وفي ظل التوازنات الحالية وعدم وجود غلبة برلمانية لأحد الأطراف، ومن هنا الرئيس السياسي لن يستطيع تأمين اجماع لبناني حوله لا سيما وأن أي رئيس ماروني يجب أن تدعمه كتل مسيحية كبرى وتكون لديه تغطية من البطريركية المارونية وهناك توافق اسلامي عليه والا بالطريقة التي يروج لها حزب الله للمرشح الرئاسي أي قل كلمتك وامش، فهذا يعني أن حارة حريك هي من تقرر من يكون الرئيس وبالتالي لن تقبل القوى المحلية والدولية بذلك، وعليه فان فرنسا لن تستطيع السير في هذا الاتجاه لأن الرئيس السياسي لن يخرج لبنان من أزمته”.

اما بالنسبة الى خيار رئيس عسكري وطالما أن لبنان لم يصل بعد الى فوضى أمنية تتطلب استخدام قوى الجيش لتثبيت الأمن والمحافظة على المؤسسات وهدوء الحدود، فالجيش هو الداعم وليس الحل، فبرأي هذه المصادر أن “أسهم قائد الجيش جوزيف عون كانت ولا تزال عالية لكن عملياً ليست من الخيارات الأولى، الا أن أعضاء اجتماع باريس يرون أن المخرج الفعلي لأزمة لبنان اقتصادي، ولا بد من التفتيش عن رئيس يدير الأزمة الاقتصادية ولديه برنامج لحل مشكلة الودائع والنظام المصرفي وتطبيق الاصلاحات والتوافق مع خطة البنك الدولي لانقاذ لبنان من الانهيار واعادة عمل المؤسسات ومعالجة تدني خدماتها لا سيما التعليم والصحة والخدمات وغيرها التي باتت مفصولة عن الواقع. هنا الفرنسيون تحركوا ضاغطين لمعالجة الملفات القانونية التي تدفع الحركة السياسية الى الرضوخ، وتم في هذا الاطار تحريك ثلاثة ملفات قضائية، الأول ملف تبييض الأموال وقضية مصرف لبنان وتهريب الأموال، هناك القضايا الكثيرة التي رفعت ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأجبرت القضاء الدولي على القدوم الى لبنان والاستماع اليه، بحيث طرح عليه 196 سؤالاً، والهدف كان حشر البنك المركزي والمصارف لكن الفرنسيين يدركون مع ذلك أن الطبقة السياسية ورجال المال هم من هرّبوا أموالهم الى بنوك في الدول العربية وفي أوروبا، ولم يضعوا أي شخصية منهم تحت العقوبات أو حجزت أموالها المهربة. والملف الثاني هو اعادة تحريك التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت لا سيما بعد القرارات التي اتخذها القاضي طارق البيطار والاجابة عليه من المدعي العام الذي أطلق الموقوفين مما تسبب بوضع القضاء في أزمة خارجية ودفع بـــ 38 دولة موقعة على تحقيق دولي الى مطالبة الدولة اللبنانية بالاعلان عن نتائج التحقيق في ملف انفجار المرفأ وهذا الأمر لن يبقى كما هو عليه، فهناك ضحايا فرنسيون وعائلاتهم تطالب ماكرون الذي يسكت عن المطالبة بفتح تحقيق دولي وتقول له ان هؤلاء الضحايا الفرنسيين سقطوا في لبنان وعلى الدولة الفرنسية أن تشارك في التحقيقات ومعرفة سبب موتهم، مع العلم أن ماكرون لم يعد باستطاعته أن يختبئ وراء اصبعه والقول ان أحداً من مخابراته أو المسؤولين الفرنسيين لا يملكون الحقيقة حول هذا التفجير والأسباب التي أدت الى حصوله وهذا يحرجه شعبياً، وأهالي الضحايا اليوم يتحركون ضد السياسة الفرنسية ويطالبون القضاء الفرنسي عبر محاميهم بضم ملف القضية الى التحقيق الذي حصل في بريطانيا وفتح قضية تفجير المرفأ على مصراعيها وهو أمر لن يستطيع ماكرون التهرب منه”.

وتلفت المصادر الى النقطة الثالثة وهي “اعادة قضية تفجير مقر المارينز عام 1983 الى الواجهة واعادة استجواب الشهود الذين تعتبر فرنسا أنهم يعلمون الكثير وكانت تغض النظر عن ذلك في السابق، لاعتبارات عديدة منها أن زمنها انتهى وهي لم توجه مباشرة اتهاماً الى منظمة الجهاد العالمي وتعتبر أن المكان الذي نزلت فيه القوات المتعددة الجنسيات، كانت المخابرات السورية موجودة فيه، وبالتالي في التحقيق بتفجير شاحنة لم يكن لها أثر وحتى الشهود لم يؤكدوا وجودها وانما الخبراء العسكريون قد يفسرون ذلك بأن المبنى تم تفجيره بواسطة عبوات كانت موجودة في الداخل وفي هذا اشارة الى دور المخابرات السورية التي كانت وسيطاً مع ايران في تلك المرحلة، ويحاول ماكرون استخدام هذه الورقة في وجه حزب الله وما يسمى الجهاد العالمي وكان مرتبطاً بالحرس الثوري، والمحكمة الأميركية استجابت لدعوة الأهالي في تغريم ايران لضحايا التفجير مبلغ أكثر من مليار و300 مليون دولار تقريباً وهذا الأمر من باب الضغط عليها أيضاً”.

وترى المصادر أن “هذه الملفات الثلاثة التي يقوم الفرنسيون بطرحها تتناسب مع القرار الذي تم التوافق عليه من البنك الدولي بامهال لبنان 6 شهور لانجاز الاصلاحات والتغيير والتفاوض بطريقة جدية مع البنك وفق استراتيجية واضحة وكاملة تعتمدها الحكومة اللبنانية لتحقيق الاصلاحات، وهذا يضع لبنان أمام مرحلة جديدة تتطلب انتخاب رئيس اقتصادي يستطيع تشكيل حكومة تكنوقراط مهمتها ادارة الأزمة، ووضع برنامج ان كان لجهة التفاوض مع البنك الدولي والاصلاح ودفع المستحقات ولعب دور انقاذي بجلب الاستثمارات العربية والأجنبية والافادة من المناخ الايجابي الذي حصل بعد توقيع الاتفاق السعودي – الايراني والانفتاح العربي على سوريا، وهذا يتطلب موقفاً أوروبياً واضحاً والا سيبقى لبنان أسير المناكفات السياسية الداخلية التي تقوم بها السلطة الحاكمة التي تحاول تعويم نفسها والترويج بأن باستطاعتها اخراج لبنان من أزمته ولكن عن طريق الاستدانة والمطالبة بمليارات موعودة بدعم دولي للدخول في باب الاصلاحات بدل اعادة الأموال المنهوبة وهي كفيلة اذا ما تمت استعادتها بتحقيق انجازات اقتصادية من دون مساعدات خارجية”.

شارك المقال