صواريخ للشحن والتفريغ

زاهر أبو حمدة

لماذا هاجمت قوات الاحتلال المعتكفين في المسجد الأقصى؟ صحيح أن الاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في كل مكان وزمان، لكن المسجد الأقصى يمتلك خصوصية دينية. وعبر اختيار التوقيت والمكان أراد بنيامين نتنياهو ارسال أكثر من رسالة: الأولى هي للمتظاهرين الاسرائيليين ضد التعديلات القضائية، فبعد التنكيل بهم وقمعهم خرجت أصوات في المعارضة تقول إن حكومة نتنياهو تستقوي على بني جنسها، فهذه الشرطة أسد على التظاهرات السلمية ونعامة ضد الفلسطينيين. هنا رد نتنياهو، مع إضافة عنف أكثر وقمع أكبر ضد المصلين في الأقصى.

أما الرسالة الثانية، فهي الى حلفائه في الحكومة أي ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، فبعد موافقتهما على تأجيل التصويت على التعديلات القضائية يريد نتنياهو أن يقدم قربان ترضية عبر سفك الدماء الفلسطينية. ومع أن التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى يبدو أنه أصبح أمراً واقعاً عبر دخول المستوطنين يومياً إلى باحات الأقصى بحماية الشرطة، إلا أن بن غفير وجماعاته يريدون أكثر والسيطرة الكاملة على الحرم القدسي.

ووجه رسالة ثالثة الى من اجتمعوا في العقبة وشرم الشيخ، أن القرار سيبقى اسرائيلياً، علماً أن هناك ضمانات إسرائيلية قُدمت الى السلطة الفلسطينية والأميركيين والأردنيين والمصريين أن شهر رمضان سيمر بسلام مع تسهيلات كثيرة في القدس والأقصى، وهذا تهرب جديد من أي التزامات إسرائيلية. وبالتالي، أطلق نتنياهو صواريخ يحاول من خلالها شحن المتدينين اليهود معه عاطفياً وميدانياً، في مقابل تفريغ غضب حلفائه في الحكومة وهذا كله على حساب الفلسطينيين.

في المقابل، ردت المقاومة الفلسطينية في غزة برشقات صاروخية ضد مستوطنات غلاف غزة. ويشير الاعلام الإسرائيلي الى أنه منذ بداية العام سقط 52 صاروخاً فلسطينياً انطلاقاً من القطاع المحاصر. كذلك أراد أصحاب القرار في غزة القول: “نحن هنا”. هذه الرسالة تفيد بأن غزة ليست بعيدة عما يحصل في القدس، وحكومة نتنياهو تعرف ذلك ولا تريد الانجرار الى حرب جديدة. وهذا عكس ما تقول بعض التحليلات بأن الاحتلال يريد الهروب من أزماته الداخلية نحو حرب عسكرية في أي من الجبهات. فالحرب ليست مضمونة النتائج وكذلك غير معروف كيفية تطورها ميدانياً ودخول أطراف أخرى على الخط، فتكون كارثة كبرى لحكومة مضطربة ولديها خلافات مع الغطاء الدولي أي مع الولايات المتحدة.

وهنا، أتت صواريخ غزة لتشحن المعنويات الفلسطينية وتفرغ غضباً كبيراً بعد كل المجازر في الضفة الغربية. ومن المهم القول إنه في أي عدوان إسرائيلي على غزة لم يتوقف بإنجاز سياسي وميداني، فحفظ الدماء الفلسطينية في هذه المرحلة يجب أن يكون أولوية لأن الفلسطينيين لا يملكون استراتيجية عسكرية وسياسية لأي معركة وهذا ما اختبره الجميع في 4 جولات قتالية سابقة.

ومما لا شك فيه، أن أجهزة الاحتلال الأمنية والسياسية تعرف تماماً ما هو مسموح به وما هو ممنوع. وكذلك المقاومة في غزة تعرف ذلك، فهذه الصواريخ إن لم تكن في القدس أو تل أبيب يعني أنه لا مجال لعدوان إسرائيلي جديد. وعلى الرغم من التهديدات الفلسطينية كخطاب تعويضي للعمل الميداني، وهذا حصل قبل مسيرة الأعلام وخلالها قبل عامين، هناك فسحة للمناورة الفلسطينية مع تدخلات مصرية. وتبقى هذه الصواريخ إن كانت إسرائيلية أو فلسطينية في مقام الشحن والتفريغ العاطفي والسياسي، من دون أن تتطور إلى مواجهة شاملة. لكن من يعرف؟ إذا سقط أحد الصواريخ الفلسطينية وقتل مستوطنين فحينها الوضع يختلف. وكذلك لو ارتفع عدد الشهداء في الأقصى حينها يكون الرد مختلفاً وربما يبدأ من تل أبيب.

شارك المقال