الصواريخ لا تحرّر الأقصى ولا تعوّم “حزب الله”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا يبدو أن التوتر الحاصل في المنطقة سيزول قريباً، وهذا ما توحي به التطورات وتنقلات حرب الصواريخ والقصف بالاضافة الى اللقاءات السياسية والزيارات الملغومة التي تنبئ بأن الأحوال على غير ما يرام.

من اسرائيل الى الأردن فسوريا ولبنان تصعيد على كل الجبهات، وخطابات تعود إلى بنا الى زمن مضى من استباحة للأراضي اللبنانية واللعب في الوقت الضائع وجعل الجنوب ساحة لتبادل الرسائل الاقليمية، ومن يصدق شعارات الأمس وتكرار التجارب الماضية الفاشلة يكون إما مجنوناً أو عميلاً.

فقد تسببت حرب الصواريخ بإيجاد مخرج لحكومة بنيامين نتنياهو المأزومة داخلياً، في وقت أعلنت الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر” بالنسبة إلى إيران ومحورها عن وصول غواصة تعمل بالطاقة النووية تحضيراً لمواجهة إيران وردع مجموعاتها التي تنوي حسب مسؤولين أميركيين تنفيذ هجمات في الشرق الأوسط قريباً.

وفيما يزور رئيس “فيلق القدس” الايراني إسماعيل قآاني دمشق، التقى الأمين العام لــ “حزب الله” حسن نصر الله رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية الذي جرت مطالبته بالخروج من لبنان اثر اطلاق الصواريخ على اسرائيل ما وتر الأجواء وتسبب بتصعيد عسكري وخطير. وقد اتهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عناصر غير منظمة وغير لبنانية بإطلاق الصواريخ رداً على العدوان الاسرائيلي على الأقصى، ما يوحي بأن لبنان في محور ما يريده حزب السلاح الذي تعامل مع حدث إطلاق الصواريخ وكأنه يحدث في المريخ وليس في منطقة يسيطر عليها ولا يمكن لنملة أو بعوضة التحليق أو العبور من دون إذنه أو بغير علمه. وكان بيان نصر الله وهنية واضحاً بأن البحث جرى في “جهوزية محور المقاومة وتعاون أطرافه في مواجهة كل هذه الأحداث ‏والتطورات”.‏

وما دعوات نصر الله وقياديي “حزب الله” الى التلاقي هذه الأيام سوى لخداع الرأي العام وهو أمر شهدناه قبيل حرب “لو كنت أعلم” في العام 2006، بحيث قدم الحزب وعوداً بتمرير موسم الصيف السياحي آنذاك وفي اليوم التالي قام بخطف جنديين اسرائيليين لتشتعل الحرب وتدمر خلال ساعات ما بناه اللبنانيون على مدى 16 عاماً، ولتنطلق خرافة الانتصارات تمهيداً لهيمنة ايران على لبنان ودول المنطقة.

هناك العديد من المؤشرات تدفع الى التخمين أن حرباً ما يعد لها لاسقاط الاتفاق السعودي – الايراني، وبحسب ما يجري تداوله من معلومات صحافية فان الجناح العسكري في “حماس” نفذ عملية اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان الى اسرائيل بعلم السيد نصر الله وايران وإذنهما.

وبدا واضحاً أن اسرائيل متوثبة للحرب وكانت واضحة في تهديداتها، عبر الرد المباشر بالقصف، بينما محور الممانعة كان يتحضر لتوسيع رقعة جبهة المواجهة بغطاء ايراني، ويريد حفظ ماء وجهه بعد الغارات الاسرائيلية على مواقع الميليشيات في سوريا والتي أدت الى مقتل ضابطي الحرس الثوري، ميلاد حيدري ومقداد مهقاني، وجاءت عقب الانفجار الذي حصل في منطقة مكيدو داخل إسرائيل.

بالطبع لا يمكن التقليل من الرسائل الأمنية للصواريخ من جنوب لبنان، فهي مؤشر على مرحلة جديدة من العمليات العسكرية، قد تكون شبيهة بما كان يحصل سابقاً أثناء هيمنة قرار السلاح الفلسطيني في الجنوب ما بعد اتفاق القاهرة والذي كان أحد اسباب اندلاع الحرب الأهلية. والسؤال اليوم هل من سعي الى اتفاق قاهرة جديد لابقاء سلاح “حزب الله” وهو ما تسعى اليه ايران أو ربما الحرس الثوري تحديداً الذي يقال انه على خلاف مع الحكومة؟ الا أن الواقع يشير الى لعبة شد الأصابع مع المملكة العربية السعودية لترتيب الاتفاق وسبل تطبيق بنوده التي ستلقي بظلها على المنطقة في اطار الشعار الكبير بوقف الحروب وانهاء التوترات لحفظ السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.

على الرغم من تنصل “حزب الله” من مسؤولية اطلاق الصواريخ من الجنوب، الا أن القاصي والداني يعرف أنه لا يمكن لأي طرف أن يتحرك في المنطقة الا بمعرفته وبتنسيق معه من المجموعات اللبنانية أو الفلسطينية العاملة المنضوية في مشروعه، وبالطبع لا يمكن أن تكون ايران في خبر كان من مثل هذه التحركات، وهي تأتي بالطبع في اطار خطة لتعزيز الدور الاقليمي للحزب، على الرغم من أن مثل هذه الاستعراضات العسكرية لا تؤتي ثمارها، وتتسبب بضرر كبير للبنان وبالطبع لن تحرر فلسطين ولن توقف الاجرام الصهيوني في القدس والأقصى، لا بل هي ساعدت اسرائيل في الخروج من أزمتها وأسهمت في ردم الخلافات داخل الحكومة.

والسؤال الذي لا بد من طرحه هل يستطيع “حزب الله” اليوم تحمل ما سيصيب الجنوبيين من جراء مغامراته “الحماسية”؟ وماذا ينتظر لبنان اذا استمرت عملية استباحة الحدود فيما لا دولة قائمة ولا حكومة قادرة على مواجهة سلطة “حزب الله” والزامه حده في محاولاته لتحميل لبنان ما لا طاقة له في استعراضات صاروخية وتجارب فاشلة تثبت غباء مخططيها ومنفذيها، لا سيما وأن الجميع يدرك أن صفقة “كاريش” عبرت بفضل “حزب الله” ومسرحيات القصف الصاروخي كرد على التصعيد الاسرائيلي مجرد تعبير عن هزل وحماقة وارتهان وتبعية.

شارك المقال