بري خط الدفاع الأول عن “حزب الله” لا الدولة!

جورج حايك
جورج حايك

على الرغم من أن نبيه بري هو رئيس مجلس النواب اللبناني، إلا أن مواقفه وأداءه يصبان في مصلحة مشروع “حزب الله”، فهو بات لاعباً أساسياً بل استراتيجي في الدفاع عن مشروع “الحزب” المذهبي والفئوي، حتى باتت الصحافة تختصر “الحزب” وحركة “أمل” بكلمة الثنائي الشيعي. وقد اشتهر هذا الثنائي باختصاره للطائفة الشيعية الكريمة واستعلائه على القوى السياسية الأخرى وتجاوز الدستور أو تفسير مواده وفق مصالحه وتعطيل المؤسسات الرسمية والاستحقاقات الدستورية، وكل ذلك خدمة لأهدافه وأهداف مرجعيته الاقليمية إيران.

ويُعتبر بري رمزاً للمنظومة السياسية التي استهدفتها ثورة 17 تشرين، لذلك كان الأشرس في مواجهتها بالتكافل والتضامن مع “حزب الله”، متهماً الفاعلين في هذه الثورة بأنهم رواد السفارات الغربية، علماً أنه المرجعية الرسمية التي تساعد “الحزب” في الحفاظ على الجسور بينه وبين مختلف الدول الغربية التي وضعته على قوائم المنظمات الإرهابية، ويتمتع بمرونة في التحدث مع السعوديين والأميركيين والفرنسيين. بإختصار إنه الوجه الذي يستخدمه “حزب الله” عندما يريد التفاوض مع دول غير مستعدة للتحدث مباشرة معه.

في الوقت عينه، يترأس بري حركة “أمل” وهي إحدى ركائز الطائفية في لبنان وقواعدها بوصفها وصفتها “الشيعية”، لكنّ هناك تمايزاً مقصوداً بينها وبين “الحزب” بأنها لا تمثل شيعة الولي الفقيه وتياره، ولكنها تزعم أنها تمثّل الشيعة بكل تلاوينهم من شيعة الإقطاع حتى شيعة المحرومين كما سمّى الإمام المغيّب موسى الصدر حركته التي أصبحت تحمل فيما بعد اسم حركة “أمل”.

واللافت أن بري، يستمر رئيساً لمجلس النواب منذ أربعة عقود، وهو الذي بلغ من العمر 85 عاماً، ولم يفكّر في التقاعد. أما المدهش في مسيرة بري فانه الأكثر تعطيلاً لمجلس النواب، وهو يديره كمؤسسة لحركة “أمل” لا كمؤسسة رسمية تابعة للدولة، ولم يمر في تاريخ لبنان منذ الاستقلال وقيام الجمهورية مثيلاً للسابقة التي يرسيها بتعطيله المؤسسة الدستورية الأم. وإذا بحثنا في تاريخ رؤساء مجلس النواب من أحمد الأسعد، الى صبري حماده، فعادل عسيران، وكامل الأسعد، وحسين الحسيني، نرى أن لبنان مر بظروف صعبة للغاية، ومع ذلك لم يحصل لمن سبقوا بري في الرئاسة، أن حاولوا أو حتى فكروا في تعطيل مجلس النواب على النحو الذي يفعله بري. فالرئيسان كامل الأسعد وحسين الحسيني قادا مجلس النواب في مرحلة الحرب من 1975 الى 1992، في زمن سقط فيه 200 ألف لبناني، ولم يعطلا المجلس، لا بل حملاه الى أماكن أكثر أماناً ليؤمنا مسيرته. ومن أجل لبنان طاف الرئيس الحسيني بالمجلس ليحط في الطائف، وليقر ميثاقاً وطنياً جديداً يوقف الحرب.

لقد كانت المهمة الأسمى لكل رؤساء مجلس النواب السابقين أن تبقى المؤسسة تعمل، حتى لو انهار البلد بأسره. وجاءت أيام وانهار لبنان من أقصاه الى أقصاه، وتشرذم الجيش، وبقي مجلس النواب الحصن الحصين للوحدة. إلا أنه وعلى الرغم من كل الظروف، بقي صامداً من النواحي الدستورية والقرارات المصيريّة.

ماذا يفعل بري حالياً؟ ولمصلحة من؟

منذ انسحاب الجيش السوري ومخابراته من لبنان، عام 2005، كسر بري الأرقام القياسية في تعطيل مجلس النواب. فلم يلتفت الى طلب النواب بفتح دورات استثنائية، ولا بإفتتاح العقد العادي بجلسة تخصص لمناقشة قضايا خطيرة، ولا حتى يعيّن جلسة لاقرار عشرات المشاريع العالقة في الأدراج، فيما يفسّر الدستور كما يحلو له ولـ”حزب الله” من خلال امتناعه عن عقد جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس. فالدستور واضح، وقد أشار إلى ضرورة تأمين نصاب الثلثين في الجلسة الأولى من دون أن يلحظه في الجلسة الثانية، كما ذكر بوضوح أن انتخاب الرئيس يتم بالأكثرية المطلقة أي 65 نائباً من أصل 128 هم عدد نواب المجلس النيابي اللبناني. ولو ارتأى الدستور ذكر تأمين نصاب الثلثين لما امتنع عن ذلك كما يفعل في مواد أخرى، إلا أن لا حسن نيّة لدى بري و”حزب الله” بإتمام المجلس لمهامه. ولا شك في أن الرئيس بري يتحمل اليوم مسؤولية تاريخيّة حيال البرلمان الذي يجري اختطافه فئوياً لمصلحة خيارات الثنائي الشيعي، إذ يمنع ممثلي بقية الفئات اللبنانية من ممارسة حقوقهم الدستورية من خلال هذا المجلس. انها سابقة تمثّل خطراً داهماً على وحدة البلاد!

من جهة أخرى، يضغط بري و”الحزب” بإتجاه انتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، خلافاً لإرادة المسيحيين عموماً والشعب اللبناني خصوصاً الذي يرفض رئاسة حليفة لنظام بشار الأسد و”الحزب”. ألم تكن الرئاسة مع ميشال عون خلال الأعوام الستة الفائتة مع ايران والنظام السوري وأوصلت لبنان إلى جهنّم؟ ولا يزال بري و”الحزب” مقتنعين بفرض مرشحهما على طريقة “فرنجية أو الفوضى”.

لكن وقائع عديدة تشير إلى أفول دور بري في الحياة السياسية اللبنانية. صحيح أنه رجل سياسي محنّك، إلا أن التوازنات السياسية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة جعلت تأثيره متواضعاً، وربما آخر انجاز حققه كان من خلال انتخابه رئيساً لمجلس النواب بغالبيةٍ هزيلة جداً، إذ لم ينَل أكثر من 65 صوتاً. أما الخطوات المتعثرة لبري فكانت فشله في فتحَ حوارٍ حول الرئاسة، عجزه عن ايصال فرنجية إلى الرئاسة، وفشل أيضاً في عقد جلسات تشريعية على الرغم من أن المجلس هو في حالة انعقاد لانتخاب رئيس جمهورية فقط، وحاول تأجيل تاريخ بدء العمل بالتوقيت الصيفي، ثم أرغم على التراجع عن هذا القرار بصورة مُهينة.

ويبدو أن مسلسل خيبات بري لن ينتهي عند هذا الحد، ولا سيما مع اقتراب انتهاء عهد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يريده أن يستمر في منصبه، وهو أعلن ضمنياً، من خلال وزير المالية يوسف الخليل المحسوب عليه، أن استبدال سلامة عند انقضاء ولايته في تموز المقبل سيكون صعباً، لكن لا يُخفى على أحد أن إبقاءَ سلامة في منصبه أمرٌ شبه مستحيل. ولا يُعزى سبب ذلك فحسب إلى أن لبنان ودولاً أوروبية عدة تجري تحقيقات بحقه في قضايا تبييض أموال واختلاس، بل أيضاً لأنّ إبقاءه في منصبه سيشكّل مؤشّراً واضحاً على أنَّ السلطات اللبنانية لا تنوي تطبيق إصلاحات صندوق النقد الدولي، ويبدو أن بري و”الحزب” لا يريدان هذه الاصلاحات.

بالنسبة إلى الكثير من اللبنانيين، لا يمثّل بري سوى امتدادٍ لمعاناتهم. ينظرون إليه فيرَون أنه لا يعرض عليهم أي سبيلٍ للخروج من الكارثة التي تُغرِقُ بلادهم، بل يرفض هذا الاحتمال إذا كان سيضعفه، ويحاربه بشراسة. وهو يشبه اليوم أحد قادة أوروبا الشرقية عشية انهيار الشيوعية – وهم قادةٌ تحجّروا خلال سنوات حكمهم – فباتوا عاجزين عن خوض غمار بدايات جديدة، فيما العالم من حولهم ما انفكّ يتغيّر وضاق ذرعاً بتعنّتهم.

شارك المقال