50 عاماً على عملية “فردان”… كيف اغتالت اسرائيل القادة الفلسطينيين الثلاثة؟ (2/2)

زياد سامي عيتاني

إقرأ الجزء الثاني: 50 عاماً على عملية “فردان”… كيف اغتالت اسرائيل القادة الفلسطينيين الثلاثة؟ (2/1)

عندما خرجت عملية الاغتيال إلى حيّز التنفيذ، توجه 6 من أفراد وحدة “قيسارية” إلى بيروت عبر عواصم أوروبية مختلفة، حاملين جوازات سفر مزوّرة. ونزلوا في فندق “سندس”، وإستأجروا سيارات أميركية كبيرة وركنوها في موقف السيارات التابع للفندق. وفي اليوم التالي، التقى أحدهم مع ياعيل، في فندق “إنتركونتننتال”، وسلمته المعلومات الجديدة التي جمعتها عن المستهدفين.

ساعة الصفر:

في 9 نيسان، تجمّعت القوات الاسرائيلية من “سرية هيئة الأركان العامة” و”لواء المظليين” بقيادة أمنون ليبكين شاحاك، في قاعدة سلاح البحرية في حيفا. وكانت تعليمات القائد الرئيس للمظليين مانو شاكيد، لأفراد القوة قبل مغادرة ميناء حيفا لتنفيذ العملية، واضحة ومقتضبة: “إقتلوا، صوروا، وإجمعوا الوثائق”. ثمّ أضاف شفهياً: “لا تطلقوا النار وتذهبوا، غادروا الغرفة فقط، بعدما تتأكدوا من تصفيتهم”.

وفي الساعة الرابعة بعد الظهر أبحرت بوارج إسرائيلية على متنها الجنود، وعند الساعة السابعة التقى أحد أفراد “قيسارية” ياعيل في فندق “إنتركونتننتال” وأبلغته أنّ المستهدفين الثلاثة في بيوتهم، وتمّ إبلاغ القوة في البوارج بأنّ “العصافير في العش”.

وجرى إنزال 19 زورقاً مطاطياً من ثماني بوارج، حملت أفراد القوة الاسرائيلية إلى شاطئ بيروت، بينهم 21 جندياً من “سرية هيئة الأركان العامة” و34 من “الكوماندوز البحري” و20 من “سرية المظليين”.

وقاد العمليّة ايهود باراك (رئيس الوزاء الاسرائيلي لاحقاً)، وهو متخفٍ بزيّ إمرأة، وشاركه في القيادة، القائد الأسبق لرئاسة الأركان العامّة أمنون ليبكين شاحاك (وزير السياحة لاحقاً)، بحيث أنهما في وسط البحر غيّرا الزوارق بأخرى أسرع وأهدأ صوتاً.

وعند وصولهما إلى السواحل، كان عملاء آخرون بانتظارهما على الشاطئ، برفقة السيارة التي استأجرتها ياعيل. وفي المقابل، كانت قوات بريّة وبحريّة وجويّة في حالة جهوزية، في بحال تَشَوّش العملية.

وكان العدد الاجمالي للجنود الاسرائيليين الذين شاركوا في العملية قرابة ثلاثة آلاف، ولدى وصول القوات إلى الشاطئ، حمل أفراد “الكوماندوس البحري” قوات “سرية هيئة الأركان العامة” على أيديهم، كي لا يتلف مكياجهم (!)، فقد كان قسم منهم متنكراً كنساء.

إغتيال القادة:

بعد منتصف الليل، وصلت القوة الاسرائيلية إلى البنايتين اللتين يسكنهما المستهدفون الثلاثة، صعد أفرادها الدرج، وعندما وصلت كلّ واحدة من الفرق الثلاث إلى باب شقة أحد المستهدفين، ألقوا عبوات ناسفة، تسببت إحداها بمقتل جارة أبو يوسف النجار، وهي عجوز إيطالية تبلغ من العمر 70 عاماً، وبعد ذلك أطلق الضابط موكي بيتسر النار على النجار وأرداه قتيلاً، هو وزوجته (التي حاولت أن تحول بينه وبين رصاصهم).

أما كمال ناصر فأطلق النار من مسدسه وأصاب جندياً إسرائيلياً، ثمّ قتله أفراد الفريق من “السرية”.

وحاول كمال عدوان إطلاق النار من بندقية كلاشنيكوف بحوزته، لكنّه تردّد لأنّه شاهد رجلاً و”سيدة” عند باب شقته، وقام الضابط إيتاي نحماني بقتله. كما قُتل في العملية شرطيان لبنانيان، وحارس المبنى.

نفذت العملية، فيما كانت الجاسوسة تتفرج عبر شباكها. وحتى لا تلفت عائيل الأنظار إلى دورها في العملية، بقيت في بيروت لأسبوع على الرغم من المخاطر الناجمة عن بقائها ربطاً بالتدابير الأمنية الصارمة التي أعقبت العملية.

وكان يفترض أن يكون القائد الفلسطيني صلاح خلف “أبو أياد” ضمن أهداف العملية، لكنّه لم يكن في شقته في تلك الليلة.

تفجير مقر “الجبهة الشعبية”:

لكنّ عملية “فردان” لم تقف عند إغتيال قادة “منظمة التحرير”، بل شملت أيضاً إستهداف مواقع أخرى في بيروت للتغطية على العملية.

فقد توجّهت “سرية المظليين” بقيادة أمنون ليبكين شاحاك إلى حي آخر في بيروت، وتوقفت عند مبنى مؤلف من سبعة طوابق، ويتبع لـ “الجبهة الشعبية”. ولم تكن هذه القوة تعلم بوجود موقع حراسة أمام المبنى، بسبب نقص في المعلومات الاستخبارية، ووقع اشتباك مسلح أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليّين وإصابة ثالث بجروح خطيرة. بعد ذلك، فجّرت “سرية المظليين” المبنى، ما أسفر عن استشهاد 35 مقاتلاً من “الجبهة الشعبية”.

إستقالة صائب سلام:

بعد تنفيذ العملية عاد باراك وشاحاك والآخرون بالطريقة نفسها الى إسرائيل. وكان في إنتظارهم 21 جندياً من سرية هيئة الأركان، و34 من “الكوماندوس البحري”، و20 من “سرية المظليين”.

بعد العملية، أعلن رئيس الوزراء صائب سلام، إستقالته بسبب عجز الجيش اللبناني عن تحقيق الأمن وإيقاف فرقة “كوماندوس”، تقودها إمرأة شقراء، ليتضح لاحقاً أن تلك المرأة هي إيهود باراك متخفياً.

مع الاشارة إلى أنّ المقاومة الفلسطينية قد أعلنت في أعقاب العملية أن حواجز الأمن الداخلي منعت عناصرها من الوصول إلى فردان للتصدي للقوة الإسرائيلية!

العجز اللبناني ظهر أيضاً في قيام فرقة الاستخبارات التي ساعدت ياعيل في جمع المعلومات بالخروج من لبنان بعد العملية بسلاسة، حيث توجّهت إلى طرابلس لتشارك في عملية إغتيال إضافية (نفذت لاحقاً، وهي إغتيال سعيد السبع، المعروف بأبو باسل).

شارك المقال