الحرب الأهلية إنتهت… لم تنته؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يحمل البعض من اللبنانيين الذين عاشوا الحرب الأهلية التي كان تاريخ 13 نيسان 1975 يوم انطلاقتها، حنيناً الى ذلك الماضي على الرغم من بشاعته، لا سيما ممن يبحثون عن دور لهم هذه الأيام وكأنهم يرغبون في حذف سنوات ما بعد اتفاق الطائف من ميليشيات بعضها شارك وبعضها بقي على هامش صناعة الحدث متمرداً أو مقصياً، بعد أن كان يسيطر على الميدان سواء لابقاء القديم على قدمه بفضل دعم خارجي أو رغبة في إحداث تغيير منشود. أنهى الطائف الحرب بعد 15 سنة من القتل والتدمير والتهجير، وطلع اللبنانيون نحو سلم فقدوه ونحو البناء والاستقرار، لكن ذلك الخوف العميق في دواخلهم من عودة الحرب، لم يعبر بسهولة بل كان في محطات كثيرة يهدد الأجيال الجديدة بتكرار تجارب الآباء الساخنة وإن كان الكلام عن تجاوزها يزدهر في كل مناسبة، لكن سرعان ما يتبين من الأحداث أن ذلك الخوف ليس مرضاً نفسياً لأن البعض يجعله أمراً واقعاً، بحكم سلاحه وتصعيد الخطابات الحربية والمذهبية والطائفية والفساد في السلطة وتقاسم المغانم.

منذ إغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من إغتيالات و”سلبطة” لـ “حزب الله” على الدولة وخروج سلاحه ليكون أداة في تخريب السلم في بلدان عربية بعدما هدد السلم الأهلي في لبنان في 7 أيار 2008 عندما احتلت ميليشيات القمصان السود وسط العاصمة وبنت دويلتها على أنقاض بيروت التي أدهشت العالم في قيامتها على الرغم من جراح الحرب، كان سلاح الفتن يتنقل بين منطقة وأخرى مهدداً السلم الأهلي هنا أو هناك، وفي إطار مخطط تعطيل مؤسسات الدولة لبناء الدويلة والانقلاب على النظام الديموقراطي والدستور، إذ وضع اللبنانيون أمام اختبارات حقيقية إما الذهاب إلى حرب أهلية جديدة أو القبول بما يريده حزب السلاح، واليوم احدى اختباراته الجديدة الصواريخ التي أطلقت من لبنان نحو اسرائيل في عودة الى سيطرة وفوضى ساحة الجنوب التي كانت أحد أسباب اندلاع الحرب.

خطر عودة الحرب في لبنان ليس مجرد كلمة في الهواء بل يتجسد على أرض الواقع، مع عدم قدرة الحكومات المتتالية على فرض سيادتها على كل الأراضي اللبنانية ومنع التعدي المسلح وإنهاء الحالة الميليشيوية.

مطبات أمنية متعددة وقع فيها لبنان خلال السنوات الماضية وبقيت محاولات زعزعة الوضع الأمني قائمة وتنوعت الأساليب، كما أن تدخل “حزب الله” في الحرب السورية فرض واقعاً إقليمياً جديداً أثر على الوضع اللبناني، بعدما كان قد شهد فترة تأجيج للمشاعر المذهبية وتعميم الفتن لزعزعة الاستقرار فقط لأنه كان منزعجاً من خروج لبنان عن إرادة حكم الوصاية السورية.

أثبت اللبنانيون القدرة على تحمل ما لا يحتمل، واجهوا الشحن المذهبي والطائفي وسلطة الفتن والفساد وسياسات التفقير والافلاس المتعمد، والى حد كبير تمت معالجة اشكالات خطيرة في أكثر من منطقة، حتى لا تتصاعد الأمور وينجروا من جديد الى حرب أهلية.

لقد تعلم اللبنانيون دروساً من تجربة الحرب لكن لا يمكن الحديث عن أنهم تجاوزوا مرحلة الخطر، ففي كل وقت يخرج أحدهم ليهدد الآخرين ويقول “الأمر لي”، وهو اليوم لا يتخذ القرارات الصحيحة بل يناور ولا يقرأ التطورات ليستفيد منها للعودة الى لبنانيته، بل لا يزال أسير مواقف دعائية كاذبة وأوهام لا يبنى عليها، وعدم تقديم مصلحة المجتمع اللبناني ووحدته وسلمه على مصالح شخصية أو حزبية أو طائفية.

لقد نبتت طبقة سياسية مجرمة نتيجة السلاح والعنف المستخدم والاغتيالات غطت الفساد وعملت بأمرة مشاريع خارجية، ومنذ العام 2016 اتضحت صورة نجاح تعطيل الدولة وعدم اللجوء الى الحلول الديموقراطية والقبول بارادة التغيير التي عكستها انتفاضة 17 تشرين والتي أثبتت أن خيار اللبنانيين هو التلاقي ورفض العنف والحرب والوصايات.

مع هذا لا يمكن التسليم بأن لبنان لن يعود الى حالة الحرب الأهلية، فهي إن لم تحصل بالسلاح فبغيره وربما الأزمة الاقتصادية اليوم احدى تجلياتها، وطالما ليست هناك دولة تبسط سلطتها على الأراضي اللبنانية، فالمجتمع مهيأ للوقوع في حرب جديدة، وما يمنع اللبنانيين من الاحتكام الى السلاح هو الخوف من الحرب، لا سيما أن الدولة غير موجودة ومؤسساتها لا تعمل، وشرط وجود الدولة فرض سيادتها على أراضيها، وهذا ليس حاصلاً في لبنان… فدولة بلا سيادة ليست دولة.

شارك المقال