“فتح لاند” و”جبران لالاند”

زاهر أبو حمدة

من السهل تزوير التاريخ. الأسهل صناعة الافتراءات واستحضار مواقف أو أحداث وربطها بالحاضر أو المستقبل. هذا ينطبق تماماً على جوقة الاتهامات ضد اللاجئين الفلسطينيين وما يعتبرونه سلاحاً في أيديهم. رُفعت السيوف بعد إطلاق صواريخ من لبنان تجاه المستوطنات الاسرائيلية. ومن المستغرب أن يتبنى البعض الرواية الاسرائيلية واعتبار أن فصيلاً أو فصائل فلسطينية أطلقت الصواريخ.

ولأن أي فصيل لم يتبنَّ عملية إطلاق الصواريخ، وكذلك لم تقل قوات “اليونيفيل” أو الجيش اللبناني من الفاعل؛ كيف عرفت الفرقة السياسية وعزفت الخطاب نفسه ضد الفلسطيني وسلاحه المحدود في لبنان؟ الاجابة هي الاستناد الى قاله مسؤولون إسرائيليون ووسائل اعلام عبرية. والأخطر ما قاله الوزير السابق جبران باسيل، بأن “اتفاق القاهرة مات وفتح لاند لم تعد موجودة، ولا نحتاج الى أن يأتي أحد ويستعمل أرضنا ليبعث برسائل، ولا نقبل على أرضنا إلا بالسلاح اللبناني في أيدي اللبنانيين ونريد بلدنا لنا، لا أن يكون مطيّةً لأحد”. أراد باسيل، توجيه رسائل داخلية وخارجية من هذا الكلام، على حساب استضعاف الفلسطيني وتحميله المسؤولية عن إطلاق الصواريخ من دون أدلة أو اثباتات.

في العام 2014، وأثناء العدوان الاسرائيلي ضد قطاع غزة أطلقت من جنوب لبنان بضعة صواريخ، وتكرر الأمر في أيار 2021 أثناء معركة “سيف القدس”. في الحادثة الأولى، عُرف لاحقاً أن من أطلق الصواريخ لبنانيون ينتمون الى “الجماعة الاسلامية” وفقاً لمصادر أمنية وسياسية. أما الحادثة الثانية فلم يُعرف مَن خلفها كما حصل قبل أيام. ويمكن التأكيد أن الفلسطينيين لم يستخدموا الأرض اللبنانية في الحالات الثلاث، لأنهم ببساطة لا يملكون صواريخ في المخيمات أو خارجها. يعرف السيد باسيل أن السلاح الفلسطيني فردي، وأن السلاح الثقيل قدمته الثورة الفلسطينية هدية للجيش اللبناني في بداية التسعينيات، ويعرف أن أي طرف فلسطيني لا يمكنه التفكير في تأسيس بنية عسكرية لأن الاستراتيجية العسكرية والسياسية تغيرت كلياً، وأصبح الشغل الشاغل هو الاشتباك مع الاحتلال من داخل فلسطين المحتلة.

إن حفلة الجنون بالاتهامات خطيرة، وهي تعطي مبرراً وغطاءً للاحتلال لقصف المخيمات الفلسطينية، وأي قصف لأي مخيم يعني مجزرة بحق اللاجئين في ظل اكتظاظ سكاني في مساحات صغيرة محاصرة ومتناثرة. وإذا كان السيد باسيل وغيره ينظرون الى الفلسطيني على أن لديه طموحاً عسكرياً في الداخل اللبناني أو من خلال لبنان، فهذا يعني أنهم يعيشون في “لالاند” خاص بهم. هذا خيال غير علمي. هذا خيال لأهداف سياسية وتوجيه رسائل الى حلفاء باسيل وتقديم ولاءات وأوراق اعتماد عن السفارات من أجل أحلام رئاسية. هذا يشبه الفيلم الأميركي “la la land”الذي كتبه وأخرجه داميان تشازيل، من ناحية الكوميديا والدراما الرومانسية. ويبدو أن البعض يمتلك الرومانسية السياسية ونوستالجيا الى عقود مضت.

ومن المهم القول إن الفلسطيني لو كان يريد أي دور في لبنان، لكان يمكنه فعل ذلك منذ العام 2005 وما تبعه من أزمات سياسية وخضات أمنية. حتى أن بعض الأطراف اللبنانية حاول الزج بالفلسطينيين ومخيماتهم في الاشتباكات لكنهم كانوا واضحين أنهم لن يدخلوا كطرف في أي أزمة. وتعرف هذه الفرقة السياسية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عرض على الرؤساء اللبنانيين كافة تسليم سلاح المخيمات ولتتكفل السلطات اللبنانية بأمن المخيمات، لكن الرفض كان لبنانياً، وهذا مثبت في محاضر اجتماعات في بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي.

إن الفلسطيني في لبنان، استخدم سلاحه وفقاً لاتفاق مع الدولة اللبنانية، للكفاح ضد عدو مشترك هو الاحتلال، ولم يسطو على جنوب لبنان أو كما أسماها الاسرائيليون والأميركيون “فتح لاند”، إنما كان بالاتفاق مع البيئة الجنوبية والحكومة اللبنانية لا بل انضم آلاف اللبنانيين الى قوات الثورة الفلسطينية ومنهم لا يزال حتى الآن عضواً في حركة “فتح” والتنظيمات الأخرى. أما استحضار فكرة “فتح لاند” في هذه المرحلة فيعني أن هذه الفرقة لم تغادر مربع الماضي، ومن يعِش في الماضي لا يتقدم نحو المستقبل.

شارك المقال