لا انتخابات بلدية… المؤسسات أسيرة البلطجة والمنفعة مجدداً

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا انتخابات بلدية… فمعظم القوى لا تريد اجراءها، وهناك من يدّعي الجهوزية لخوضها ويعلن رفض التمديد للمجالس الحالية، لكن بند التأجيل وضع على الجدول وسيقر في جلسة التشريع البرلمانية يوم الثلاثاء المقبل.

الخلاف ليس على التأجيل، فهناك من يتمرجل في رفضه علناً الا أنه يطرح من تحت الطاولة مساومة الثنائي الذي يرغب في أن يكون التأجيل لسنتين وما فوق فيما “التيار الوطني الحر” يطرح التمديد لسنة واحدة فقط، اما “القوات اللبنانية” فتهدد بالطعن ومعها قوى تغييرية تراهن على أن تاتي نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية لو حصلت لصالحها لا سيما في الجنوب، مستفيدة من الصراع بين فريقي الثنائي الذي يحصل عادة ويتداخل فيه السياسي والعائلي والمصالح الصغيرة والمكاسب الشخصية.

وقد رمى نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الكرة في ملعب الحكومة لاجراء الانتخابات في الوقت الذي تراه مناسباً.

وبالطبع، فإن حضور نواب “التيار الوطني الحر” و”اللقاء الديموقراطي” سيضمن موقفاً أكثرياً لقرار التمديد، بحجة تلافي الفراغ، بحيث أعلن النائب هادي أبو الحسن أن “التقدمي” مع التأجيل لمدة 4 أشهر.

إذاً من الواضح أن نصاب جلسة الثلاثاء مؤمن، على الرغم من تهديد القوى المعارضة بعدم الحضور وتحميل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مسؤولية عدم القيام بواجبه في تأمين مصروفات الانتخابات، علماً أن وزارة الداخلية على لسان الوزير بسام مولوي أعلنت جهوزيتها لاجرائها في الوقت المحدد.

في لبنان، الاستحقاقات الانتخابية لا تحترم وقوى السلطة الحاكمة فعلياً على الأرض لا تترك مجالاً لاتخاذ قرارات ديموقراطية، عملاً بالدستور وانما تسعى الى فرض خياراتها وفقاً لمشاريعها وارتباطاً بما يخدم مصالحها السياسية والعملانية. لقد وضعت سلطة الأمر الواقع الطابة في ملعب ميقاتي، وكان التراخي الحكومي في تأمين الأموال الناقصة لتغطية كلفة الموظفين والمشاركين في العملية الانتخابية مبرراً موضوعياً لكنه غير كاف للتهرب من مسؤولية العمل بجدية وتجاوز المعوقات لتأمين ما يلزم وعدم تعطيل الانتخابات وفقاً لأهواء الثنائي، لكن البعض يعتبر أن ميقاتي لم يأخذ المبادرة في ذلك لأنه يرغب في عدم اجراء الانتخابات البلدية، لا سيما أن هناك مشكلة في بلدية بيروت وعدم تفاهم مسيحي قد يؤدي الى خلل في التوازن، وهناك نواب مستقلون مؤثرون، لذلك كانت موافقته على التأجيل نوعاً من الهروب الى الأمام.

والظاهر أيضاً أن النقاش في جلسة الثلاثاء سيكون على مدة التأجيل و”التيار الوطني الحر” الذي سيحضر مبرراً ذلك بتشريع الضرورة، سيثير الموضوع في اطار فرض نفوذه السياسي ومزايداته برفض التمديد أربع سنوات وفرض تسويته مع بري بسنة واحدة أو ربما القبول بسنتين.

ولا يمكن إنكار أنه قد ينجح في ذلك لأن التوتر الشيعي – الشيعي في القرى ليس خافياً على أحد، ومن هنا خاض بري معركة التمديد للمجالس الحالية، فالخلافات ما بين “أمل” و”حزب الله” على كل لسان في مناطق هيمنتهما، وقد وصلت حسب مراقبين الى حرب شوارع. كما أن هناك خلافات وصراعات بين مسؤولي حركة “أمل” والقيادات المركزية، اضافة الى الخوف من نتائج سلبية كما جرى في الانتخابات النيابية التي أطاحت ثلاثة مرشحين للثنائي في الجنوب، فضلاً عن أن المزاج الشعبي في الجنوب تغير لا سيما بعد صفقة ترسيم الحدود وانكشاف “حزب الله”، ورغبة الجنوبيين في الانعتاق من أسر عادات فرضت بهيمنة السلاح والتوجه نحو المجتمع المدني، وتكشف سلوكيات قيادات الثنائي وفاعلياته في الأزمات الأخيرة التي مر بها البلد وتبيّن مسؤولياتها في احتكار المحروقات والأدوية وغيرها من مستلزمات العيش.

وبالطبع، ففي هذه الحالة لن يكون الثنائي مطمئناً الى النتائج، وقد تكون خسائره كبيرة في مدن وبلدات جنوبية عديدة لو حصلت الانتخابات البلدية التي تلعب فيها العائلات دوراً أساسياً، لا يمكن للثنائي السيطرة عليه بحيث تعاني كل البيوتات من أزمات مالية واقتصادية واجتماعية، في ظل هيمنة احتكارية أبطالها مسؤولون معروفون في الحركة والحزب.

لا شك في أن هذا القرار يدل على مزيد من التدهور في الوضع اللبناني على مستوى انهيار مؤسساته العامة المسؤولة عن خدمات المواطنين، وسيترك المجال أكثر فأكثر لملء الفراغات بواسطة لجان حزبية تستولي على الأمن والخدمات ما يزيد من الأزمات وتعقيدات الواقع المر وتفلت الطابة من ملعب المؤسسات لتقع في مرمى أصحاب مشاريع التقسيم والفدرلة، ولتغيب الهوية الوطنية الجامعة لصالح الهويات الطائفية والحزبية ومنافع المهيمنين.

شارك المقال