مطر… يجمع الأضداد برمضان ويصبح رقماً صعباً في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

تفاقم حال الجمود السياسي في طرابلس في الفترة الأخيرة، فلم تشهد أيّ حركة سياسية واضحة لا سيما بعد حلول شهر رمضان المبارك، الذي غيّبت عنه الافطارات السياسية الكبرى التي كانت تشهدها المدينة في الأعوام السابقة.

فالمدينة لم تشهد منذ بداية هذا الشهر إفطاراً سياسيّاً يُحدث بصمة ميدانية فيها، هي التي تغرق في الأزمات ولا ينتشلها تصريح سياسي أو أمني يُعيدها إلى السكة الصحيحة، إلا أنّها بدأت باستقبال هذا النوع من الافطارات في العشر الأواخر من رمضان، لكن على مستوى محدود وبأهداف إمّا تكون إنسانية وخيرية، أو إعلامية أيّ تستهدف النخبة المختارة من طرابلس والشمال.

وما كسر المشهد هو عودة النائب إيهاب مطر من أستراليا إلى المدينة في هذا الشهر، بعد جولة كان الهدف منها البحث مع المغتربين في سبل تأمين مقومات الصمود لطرابلس، ومحاولة ايجاد أرضية لمشاريع تساعد الطرابلسيين، خصوصاً في هذه الفترة التي تغيب فيها الدولة عن تأمين أبسط مقومات العيش.

ومنذ عودته عادت الحركة الى طرابلس، مواكبة بنشاطات لا تعلن عنها مجموعته IMD لمساعدة الطرابلسيين، وأطل مطر مشاركاً الطرابلسيين في حفلات إفطار وسحور مختلفة لم تقتصر على منطقة واحدة أو طبقة اجتماعية محدّدة، فقد تمكّن من التركيز على المناطق الشعبية كباب الرمل، باب التبانة، أبي سمراء والقبة وغيرها كالميناء، وتمكّن أيضاً من تنظيم حفل إفطار “جامع” لم يشمل قيادات وشخصيات طرابلسية وشمالية فحسب، بل تضمّن شخصيات سياسية محلّية جاءت لتُشارك في هذا الافطار من طرابلس التي تعيش إهمالاً سياسياً واضحاً من أبنائها قبل أيّ شخص آخر. وكان لافتاً أن التنوع الذي فرضه مطر على طاولات الحفل لم يستطع أي مسؤول طرابلسي بعد الانتخابات أن يحققه، اذ تمكن من أن يجمع المتناقضات والقوى السياسية، وكل ذلك بحضور مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد امام.

يُمكن القول إنّ عودة مطر هذه المرّة لا تُشبه أيّ مرّة سابقة، إذْ تضمّنت رسالة شعر بثقلها وحملها من أستراليا ليعود بها إلى طرابلس حيث سنحت له الفرصة للتحدّث عنها كما إعلانه مواقف أخرى في أكثر من إفطار وسحور، ليُسجل موقفه الثابت في إفطار رأسمسقا – طرابلس، حيث أعلن مواقف عديدة أمام مختلف القوى السياسية بأحزابها وتياراتها، بعيداً عن الانحياز الى طرف دون آخر، كما بعيداً عن التجمّل والتزيّن في القول، متناولاً أهمّ المواضيع الوطنية وكذلك الطرابلسية.

في الواقع، وقبل حلول عام على الانتخابات النيابية، اتهمّت مراجع سياسية وشعبية طرابلسية النائب مطر بأنّه “لم يقم بالتغيير ولم يُنجز خطوة لتحقيقه بعد وعود أطلقها على مسامع أبناء المدينة قبل الانتخابات والتي تتحدّث عن التغيير الحقيقي”، فيما يردّ مطر بأنّ هذه العرقلة جاءت بسبب الظروف السياسية والطبقة المحلية التي تضع “العصي في الدواليب” فلا تسمح بالتشريع من جهة، ولا تُحرّك حكومة تصريف الأعمال من جهة ثانية. فكل الدولة معطلة وتحوّل دور النائب من التشريع الى محرك عجلات المساعدات وايجاد الأمل للطرابلسيين، لكن المصادر تؤكد “أننا مهما فعلنا فلا أحد يستطيع أن يحل مكان الدولة، كما أن حجم الأزمة كبير ولا يستطيع نائب أو جمعية أو جهة واحدة أن تغطيه، وعلى الرغم من ذلك كانت عملية استنفار طوال الأشهر الماضية لايجاد أرضية عمل انطلقنا منها لمحاولة سد بعض الثغرات”.

وقد يكون مطر أوّل نائب طرابلسي يعترف بأنّه لم يتمكّن من التغيير حتى الاَن خصوصاً في ظل مجلس نواب عاجز عن انتخاب رئيس جمهورية، لكن الأكيد أن فكره التغييري راسخ في عمله وأدائه بعيداً عن الكيديات والشعبوية والمعارك السوداء، ويستعد وفق المعلومات لطرح قانونين على مجلس النواب من شأنهما أن يساهما في تخفيف الضغوط عن اللبنانيين وحكماً الطرابلسيين. وتقول المصادر: “التغيير لا يحصل في يوم وليلة أو بعصا سحرية”، لكنّه لا يغفل عن هذا الاعتراف الذي لم يجرؤ أيّ رجل سياسيّ آخر موجود حالياً في الساحة السياسية الطرابلسية على أن يقوم به أمام الناس (لا سيما أبناء الطبقة الشعبية وهم أوّل من أوصل النواب والوزراء إلى مكانتهم ومناصبهم الحالية)، فلم يعترف أحدهم بأنّه لم يتمكّن من القضاء على “حزب الله” وسلاحه او اسقاط النظام الايراني، وعجز الآخر عن إطعام النصف مليون طرابلسيّ بعد وعده بألّا يجوع أحد في المدينة، فيما عجز آخرون عن إطلاق سراح الموقوفين الاسلاميين والنهوض بمرافق المدينة… وهي وعود أطلقت منذ أعوام وخصوصاً في الانتخابات الأخيرة وبقيت مشاريع الفيحاء منسية في أدراج المجلس النيابي بعيداً عن المحاسبة و”القيل والقال”.

إنّ تمسّك البعض بانتقاد “التغيير المنتظر”، لم يمنع مطر من اجتياز جملة الاتهامات أو “الافتراءات” كما يقول مقرّبون منه، وعلى الرّغم من شدّة الظروف المالية والسياسية التي تدفع مواطنين من طرابلس إلى انتقاد الممارسات السياسية أخيراً والتي تكون على الأرجح محقّة، فإنّ تصويب الأحكام على نائب وصرف النظر عن آخر، يبقى مؤشراً مقلقاً اجتماعياً وسياسياً، ومع أنّ الكثير من الطرابلسيين اختاروا منهج التغيير والتحرّر من القيود السياسية، إلا أنّ شباك اللجان السياسية التي تضرب بعض النواب شمالاً، تُعقّد الوضع السياسي وتزيده سوءاً وإرباكاً.

وفي إطلالة الافطار “الوطني” الوحيد الذي أطلقه نائب طرابلسيّ في رمضان، يُمكن الاشارة إلى بعض المواقف التي وضعها مطر “على الأرض” أمام المئات، وهي لافتة ورنانة طرابلسياً في وقتٍ تغيب فيه الحركة الناشطة شمالاً في هذا المجال، وأبرزها: إنّ إعلان مطر اقتناعه بالنائب ميشال معوّض بحضوره وحضور النائب طوني فرنجية ابن رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية المرشح أساساً للانتخابات الرئاسية يُعدّ جرأة والتزاماً بما يقوله خصوصاً أنه صوّت في الجلسات الانتخابية لمعوض، فأطل مطر بخطاب لا ينحاز فيه الى أيّ طرف، وذلك بحضورهما، وأظهر في الوقت عينه، انفتاحه على أيّ اسم جديد بمواصفات واضحة وهي مواصفات تجتمع عليها كثير من القوى خصوصاً المملكة العربية السعودية ولم يتم ذكرها على لسان أي مسؤول، وبالتالي إنّ اختياره لأيّ اسم لن يكون متماشياً مع تكتل سياسيّ واضح كنواب آخرين بل باختيار مستقل، إذْ لا ينتمي مطر الى أيّ تكتلّ ولم يجد نفسه ضمن هذه التكتلات الصغيرة منها والكبيرة.

وبحضور سياسيين من “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحرّ”، أشار مطر في خطابه إلى المعطّلين مباشرة، وأوضح خوفه من أخذ البلاد إلى التقسيم المتمثل أساساً: بالدعوة إلى الفديرالية، والتصريحات الطائفية النارية، ولم يخجل من إطلاق هذا الموقف، لينوه في نهاية المطاف بقول البطريرك بشارة الراعي الذي ينبذ كلّ من يُريد إسقاط اتفاق الطائف، وبالتالي إنّ سعيه إلى تحديد لقاء واحد جامع في إفطار تتقدّمه كلمة لمفتي طرابلس (الذي عادة ما كان يبتعد عن قبول دعوات من السياسيين الى أيّ مناسبة كانت خوفاً من الاتهامات أو الظنون التي تسيء إليه والى موقعه)، كان خطوة مدروسة تُشير إلى تمسكه بالوحدة الوطنية من جهة، وقيمة دار الإفتاء شمالاً من جهة ثانية. وكان موقف مطر حاسماً لجهة دفاعه عن موقع رئاسة الحكومة خصوصاً في ما يخص تسيير شؤون اللبنانيين، اذ لا يجوز تعطيل البلاد وحياة العباد لأجل مصالح طائفية أو خاصة. واستكمل كلامه بالاصرار على اجراء الانتخابات البلدية في موعدها وأنه لن يمدد ولن يعطل وليتحمل كل شخص مسؤولياته.

كما فنّد مطر أبرز الملفات الطرابلسية التي لم تعد تُذكر على طاولات السياسيين إلّا في تغريدات “تويتر”، فعدّد مشكلاتها ودعا النواب إلى الاجتماع والاتحاد من جديد لأجلها، في وقتٍ يقوم فيه بعض السياسيين ومن “يغزل تصريحاتهم” وراءهم بالتهكم والسخرية من أيّ خطوة خيرية أو إنمائية تبقى صغيرة أمام ضخامة الأزمة الطرابلسية التي تستوجب تنظيم تحرّك نيابيّ عاجل غير آجل لرصد المشكلات والحلول.

عموماً، تُواجه طرابلس أزمة مصيرية بمشهد سياسيّ قاتم لم يُكتب له النجاح والتقدّم منذ عشرات السنين، فصحيح أنّ هذه الأزمة متراكمة لكنّها لا تعني أبداً الاستسلام للجمود المفروض على المدينة، وفي ظلّ وجود تحرّكات سياسية “مشبوهة” في الأشهر القليلة الماضية على أرض الفيحاء ممّن يُطلق عليهم “سرايا المقاومة” حسب المتابعين، يُمكن التأكيد أنّ التوقف عند هذا التفصيل المصيري يبقى ضرورياً في هذه المرحلة الحرجة سياسياً، بدلاً من المنافسة السياسية التي لا تُجدي نفعاً في مدينة تعيش كوابيس اقتصادية وإنمائية جمّة.

شارك المقال