المصداقية الاستراتيجية لأوروبا في أوكرانيا

حسناء بو حرفوش

يحتاج الأوروبيون الى اتخاذ خطوات عاجلة لضمان إمداد أكبر وأكثر تأكيداً بالذخيرة لأوكرانيا – وبالتالي تغيير التوازن العسكري على الأرض. وكشفت الحرب الروسية في أوكرانيا، حسب مقال في موقع المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية (European Council on Foreign Relations) الالكتروني، عن مسألة مخزونات الذخيرة والقدرة الانتاجية في أوروبا – وبدرجة أقل – في أميركا الشمالية. وتحولت المخزونات الحالية المحدودة والقدرات الانتاجية المقيدة من كونها تحدياً للوجيستيين العسكريين وخبراء المشتريات إلى قضية سياسية رئيسة. وتشير تقارير “نيويورك تايمز” الأخيرة إلى أن الأوكرانيين يستخدمون آلاف قذائف المدفعية كل يوم، وتتكلم عن النقص الوشيك الذي قد يترك تأثيراً حاسماً على الحرب. وأصبحت قدرة أوروبا، في صراع وجودي الآن ليس بالنسبة الى أوكرانيا وروسيا وحسب، ولكن أيضاً للعديد من الدول الأوروبية، على توفير الذخيرة لأوكرانيا، اختباراً رئيساً لمصداقيتها الاستراتيجية.

لا يوجد حل قادر على إنهاء التحدي، وبالتالي سيحتاج الأوروبيون إلى تبني مسارات متعددة. وستتراوح هذه الحلول من الحلول قصيرة الأجل، مثل توسيع القدرة الأوروبية على إنتاج الذخيرة وتنسيق آليات الشراء بصورة أكثر فاعلية، إلى الجهود طويلة الأجل مثل توسيع الوصول إلى التمويل أو البحث عن شراكات صناعية دفاعية من خارج الاتحاد الأوروبي.

تحدي الذخيرة

لا تمثل مشكلة الذخيرة مفاجأة. فبالكاد خططت أي دولة عضو في الناتو أو الاتحاد الأوروبي لهذا النوع من الصراع الدائر في أوكرانيا. وكان الغرب يفتقر بصورة جماعية الى كل من المخزونات والقدرة على الإنتاج لتلبية متطلبات الحرب الشديدة الكثافة. وفي وقت مبكر من منتصف العام 2022، طفت القضية على السطح في المناقشات بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وبحلول خريف 2022، كان من الواضح أن الصناعة تكافح لتلبية الطلب. وفي أيلول 2022، دعا الأمين العام لحلف الناتو الى اجتماع استثنائي لمؤتمر مديري التسلح الوطنيين وكبار مسؤولي المشتريات في الناتو، وحث الحلفاء على مواصلة تجديد المخزونات بأسرع ما يمكن. وقام الاتحاد الأوروبي بتطوير وتوسيع مبادرات مثل الاستخدام غير المسبوق للمرفق الأوروبي لدعم السلام، وهو آلية حكومية دولية تمولها الدول الأعضاء لاسترداد جزء من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تتبرع بالمعدات والذخيرة لأوكرانيا.

وقدمت الولايات المتحدة مليون طلقة من عيار 155 ملم لأوكرانيا بينما تنتج هي حوالي 15 ألف قذيفة شهرياً، وتزيد حالياً العدد إلى 20 ألف قذيفة وتستهدف 90 ألفاً شهرياً بحلول العام 2025. كما يقوم الجيش الأميركي بتجديد مخزوناته من خلال عمليات الشراء في الخارج، مع عقد رئيس مع جمهورية كوريا على وجه الخصوص. ومن المفترض أن تكون الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قادرة على إنتاج 650 ألف طلقة سنوياً (ذخيرة ذات عيار كبير) وقد التزمت مؤخراً بتسليم “مليون طلقة من ذخيرة المدفعية الى أوكرانيا في جهد مشترك خلال الأشهر الاثني عشر القادمة”.

هذا جزء من نهج ثلاثي المسارات غير مسبوق طوّره الاتحاد الأوروبي الذي يحشد (EDA) لإبرام عقود شراء مشتركة بقصد تسريع التعاقد وتسليم الذخيرة الرئيسة. كما يسعى المفوض تييري بريتون الى تكييف تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية من خلال قانون المشتريات المشترك لدعم زيادة الطاقة الانتاجية للاتحاد الأوروبي.

قد تترك هذه الاجراءات تأثيراً مهماً على المجهود الحربي. وتشير تقارير “فاينانشيال تايمز” إلى أن إمداداً أكبر وأكثر تأكيداً من الذخيرة سيسمح للأوكرانيين بمضاعفة استخدامهم للمدفعية وتغيير التوازن العسكري على الأرض.

ومع ذلك، لا يزال من الواضح أن عمليات التسليم إلى أوكرانيا لا تتقدم بالسرعة الكافية، خصوصاً وأن الأوكرانيين يستعدون لهجماتهم المضادة، وكما تشير تقارير إعلامية متعددة، هناك نقص في الذخيرة على خط المواجهة، ويتطلب هذا الوضع مزيداً من الجهود والأساليب المبتكرة.

وعلى الرغم من الإنجازات الحقيقية التي تحققت حتى الآن، لا يزال يتعين القيام بالمزيد وبسرعة، بحيث ستكون الأشهر المقبلة حاسمة بالنسبة الى مستقبل أوكرانيا. وهذا يعني على وجه التحديد، ضرورة بذل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الجهود المتعلقة بتوسيع الإمداد بالذخيرة من العيار السوفياتي وتقديم الدعم المالي للمصنعين لزيادة الإنتاج ومراجعة إرشادات المخزونات وزيادتها بصورة كبيرة في إطار عملية التخطيط الدفاعي لحلف الناتو لخلق حافز إضافي لحلفائه لتجديد مخزوناتهم وتوسيعها. بالإضافة إلى تأمين استثمار طويل الأجل في قطاع الدفاع ومعالجة مخاوف الصناعة المرتبطة بتنفيذ اللوائح البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) وبناء مشاريع عبر القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية الأوروبية بأكملها ومعالجة تحديات التقييس والتنظيم لتعزيز قابلية التشغيل البيني، وتعزيز الحلول عالية التقنية لتوسيع الانتاج ومعالجة قيوده.

وستحقق بعض هذه الجهود نتائج على المدى القصير؛ بينما سيتطلب البعض الآخر جهداً مستداماً على المدى المتوسط إلى الطويل. “

شارك المقال