ملف النزوح… خطاب شعبوي للمواجهة بين مجتمعين؟

هيام طوق
هيام طوق

في الأيام القليلة الماضية، سلط الضوء على ملف اللاجئين السوريين إن كان في الداخل أو في الخارج من خلال اللقاءات والزيارات التي يقوم بها نواب وبعض المسؤولين إلى دول أوروبية وأجنبية، بالتوازي مع معلومات صحافية من مصادر عسكرية وأمنية عن أن السلطات اللبنانية، رحّلت نحو خمسين سوريّاً إلى بلادهم بحيث تقوم مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، بتسليم الموقوفين المخالفين إلى فوج الحدود البرية الذي يتولّى وضعهم خارج الحدود اللبنانية.

وفيما بدأت عدة بلديات في المناطق، بالبحث في آلية فاعلة لإخلاء بلداتهم من السوريين لأسباب أمنية، خصوصاً أن موجات السرقة التي يقف وراءها هؤلاء، ارتفعت وباتت تهدد السلم الأهلي بحسب ما يقول عدد من رؤساء البلديات، طلب محافظون، من رؤساء البلديات والمخاتير عدم إعطاء إفادات سكن أو إفادات عمل للاجئين السوريين إلا بحضور صاحب المنزل أو صاحب العمل (الكفيل)، وذلك بموجب عقد إيجار رسمي أو إتفاقية عمل. كما طلبوا من البلديات ضبط إستعمال الدراجات النارية التي يستخدمونها ومنعها في ساعات الليل، وتسطير محاضر ضبط بواسطة الشرطة البلدية في حق المخالفين.

وأشارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنّها تراقب الوضع، وتواصل الدعوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي، وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الاعادة القسرية.

لكن لماذا الاضاءة بصورة مكثفة، وعلى مختلف المستويات، على ملف النزوح السوري منذ 3 أسابيع الى اليوم؟

في هذا الاطار، أشار المدير التنفيذي لـ “ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ إلى وجوب “الاعتراف بأن أزمة اللاجئين السوريين، تتفاقم على كل المستويات، لكن يبدو واضحاً أيضاً أننا بدأنا نستشعر الخلل الديموغرافي في لبنان وليس المقصود خللاً ديموغرافياً مذهبياً طائفياً، انما خلل ديموغرافي بالمعنى اللبناني العام.”

ولفت الى أن “تفاقم أزمة اللاجئين منذ العام 2011، وعدم إقرار سياسة عامة لأي حكومة تنظم وجودهم إن كان جغرافياً أو في سوق العمل، وأيضاً تبدأ بالتفكير في سياسة عامة للعودة بالتعاون مع الأمم المتحدة وأصدقاء لبنان في العالم العربي خصوصاً جامعة الدول العربية، والمجتمع الدولي، وتعثر الحل السياسي في سوريا، وبالتالي، عدم إنجاز أي تقدم في مفاوضات جنيف مع عدم إدراج ملف اللاجئين السوريين كأولوية فيها، كل ذلك، يؤشر عملياً الى أن لبنان يدفع ثمناً كبيراً جراء الخلل في هذه المستويات”.

وقال الصائغ: “لماذا استيقاظ البلديات الآن؟ ماذا كانوا يفعلون منذ سنة 2011؟ على الرغم من الخطر والخلل، لم تتحرك السلطات اللامركزية كما يجب في ظل فشل السلطة المركزية، وانتقلت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة مع استشعار امكان أن تكون هناك انتخابات بلدية، إلى وضع اليد على هذا الملف في وقت متأخر جداً، بحيث كانت قصّرت عن القيام بواجباتها تحت شعار أن ليس هناك من سياسة عامة للسلطة المركزية، في حين أن البلديات ضمن نطاق البلديات واتحادات البلديات والمحافظات، كان في إمكانها إتخاذ إجراءات، منها: أولاً، إحصاء أعداد اللاجئين السوريين في كل نطاق جغرافي. ثانياً، التمييز بين العامل والنازح. ثالثاً، ضبط سوق العمل خصوصاً في ما يعنى بالتجارة وبخدمات أخرى. رابعاً، إنجاز آلية تنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومع هيئات المجتمع المدني الدولية والمحلية لضبط هؤلاء على كل المستويات مع الحفاظ على كرامتهم، لكن تحت سيادة الدولة اللبنانية، وبدء التفكير في آليات العودة”.

وأعرب عن تخوفه من أن “نكون قد دخلنا في مرحلة من الخطاب الشعبوي العنيف الذي سيضع المجتمعات المضيفة اللبنانية في وجه مجتمعات اللاجئين، وقد يدخلنا في دوامة عنف ولو متنقل، وإن كان مضبوطاً، وهذا سيشيح الأنظار عن كل الملفات التي تورطت بها المنظومة السياسية في لبنان وتحالف المافيا – الميليشيا، من عرقلة العدالة في جريمة تفجير مرفأ بيروت، إلى عدم إقرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلى الاستمرار في سرقة ودائع اللبنانيين، إلى السلاح غير الشرعي وصولاً إلى السلاح الفلسطيني المتفلت الذي استخدم جنوب لبنان كصندوق بريد، إلى التهجير الممنهج للبنانيات واللبنانيين بسبب هذه الأزمات المتفاقمة وصولاً الى تأجيل الانتخابات البلدية”.

أضاف: “من الواضح أن هناك من يريد أن يقول للبنانيين إن أزمة النزوح السوري هي سبب كل العلل والأزمات. إنها أحد أسباب الأزمات حتماً، لكنها ليست وحدها، والمنظومة التي عرقلت الملفات التي ذكرناها هي المنظومة التي لا تقوم بأي عمل ديبلوماسي جدي للضغط باتجاه عودة اللاجئين. وهنا نسأل: من يعرقل عودة 600 ألف لاجئ سوري إلى منطقة القلمون والزبداني والقصير؟ ولماذا لا يتم الحوار مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لاقرار سياسة عامة للعودة، وهذه من مسؤوليتها؟ وماذا عن دور لبنان في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية لوضع هذا الملف على طاولة البحث مع فتح قنوات التعاون الديبلوماسي مع الأردن وتركيا؟”. وحذر من أن “أي استنفار عصب لبناني واستنفار عصب سوري، سيدخلنا في دوامة دم، وهذا يفيد النظام في سوريا وحلفاءه الذين تورطوا في تغيير ديموغرافي داخل سوريا”.

وأوضح الصائغ “أنا لست من القائلين إن هناك مؤامرة كونية انما هناك قصور نظر لدى الرأي العام اللبناني بمقاربات تبسيطية من ناحية، والغرب وتحديداً أوروبا من ناحية أخرى، إذ لا تريد استقبال لاجئين على أرضها انما تحبذ عودتهم، وتستثمر انسانياً في الدول المضيفة، لكن هي مسؤولة أيضاً عن الدفع في اتجاه الحل السياسي في سوريا والضغط لعودة هؤلاء اللاجئين إلى سوريا بدل الاستثمار الانساني في الدول المضيفة فقط”، متسائلاً: “كيف يعود هؤلاء اللاجئون السوريون اذا لم يصدر قرار رسمي بتسهيل عودتهم مع خارطة عملانية بالتنسيق بين سوريا والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين؟”.

ورأى أن “من الواضح أن الزيارات التي يقوم بها بعض النواب الى الخارج، تحمل معها مبادئ سياسة عامة واضحة بما يعني أنها تريد الحفاظ على كرامة اللاجئين لكنها تريد أيضاً الحفاظ على سيادة لبنان وهويته. هناك كلام متقدم في كيفية انجاز توازن بين الكرامة ودور المجتمع الدولي، وانقاذ لبنان. في حين كان يجب أن يقوم بهذا العمل، وزارة الخارجية والمغتربين بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة وتحديداً المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وأيضاً من خلال سفاراتنا في الاغتراب. وتتحدث بعض الكتل بخطاب عقلاني، ولا تريد مواجهة مع المجتمع الدولي بل بناء الجسور معه لفهم طبيعة المشكلة”، معتبراً أنه “لا يمكن للمجتمع الدولي أن يحل وحده محل السلطة المركزية والسلطات اللامركزية في لبنان، لذلك المطلوب من اتحادات البلديات بالتعاون مع المحافظين، الجلوس مع بعضهم البعض للتفكير في الاجراءات الأفضل لضبط الوجود وضبط المعابر، ووضع آلية واضحة تميز بين اللاجئ والعامل، ووضع اليد على كل من ينتحلون صفة اللجوء في وقت يمكنهم العودة مع ضرورة تذليل العقبات، وأن يتعاون لبنان مع منظمات الأمم المتحدة التي لها وجود في سوريا والضغط في اتجاه تسهيل العودة مع توفير ضمانات أمنية وقانونية واقتصادية واجتماعية”.

واذ عوّل الصائغ على “أي عمل تقوم به جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، الذي يجب أن يأخد في الاعتبار الكتلة الديموغرافية اللاجئة والنازحة والمهجرة من سوريا الى لبنان وتركيا والأردن، التي لها الأولوية في العودة، ويجب أن تكون على القائمة الأساسية لأي حل سياسي”، سأل “هل سيقبل النظام السوري، وقوى الأمر الواقع في سوريا، بذلك؟”، مؤكداً أن “هناك تحولاً ديموغرافياً مذهبياً في سوريا عن قصد لتغيير ليس الهوية اللبنانية في لبنان وحسب، إنما أيضاً الهوية السورية في سوريا”.

شارك المقال