فلسطينيو لبنان وأولويات كلاوس

زاهر أبو حمدة

جميل ما فعلته مديرة شؤون “الأونروا” في لبنان دوروثي كلاوس. فهي وجهت تهنئة الى اللاجئين الفلسطينيين بمناسبة عيد الفطر، عبر فيديو صوّرته في مخيم، مع فريق عملها وسط الأطفال والكبار في السن. ويُظهر الفيديو تواصل كلاوس، مع الناس والتحدث إليهم والاستماع الى مطالبهم. أما أهم ما قالته في رسالتها، فهو تحديد أولويات عملها. ووفقاً لرؤيتها، ستعمل على زيادة المساعدات النقدية للمحتاجين وتحسين الاستشفاء ورفع مستوى التعليم.

صحيح أن القطاعات المذكورة مهمة جداً وسط الأزمات المتلاحقة في لبنان، لكن كيف ستخفف من عبء الظروف الصعبة؟ تعرف السيدة كلاوس، أن أرقام البطالة والفقر ونسبهما تجاوزت الـ80 بالمئة. هنا تشير إلى أن الوكالة تقدم مساعدات نقدية لـ160 ألف مستفيد، لكنها لا تذكر المبلغ المقدم وهو 50 دولاراً أميركياً كل ثلاثة أشهر، وطبعاً هذا المبلغ لا يكفي بدل أدوية لعائلة فيها مريض على سبيل المثال. وهذا في حد ذاته إشكالية كبيرة، لأن “الأونروا” حتى الآن لم تعد خطة طوارئ عاجلة للمخيمات الفلسطينية على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان منذ أربعة أعوام تضاف إليها تداعيات انتشار فيروس كورونا. المطلوب هو خطة تضمن بقاء المساعدات من دون “تنقيطها” كل أشهر. المطلوب هو تأمين العمل للاجئين، فللأسف لم تنفذ المؤسسة الدولية أهم أهدافها، وهو الغوث والتشغيل. فالغوث تقلص كثيراً والتشغيل لم يعد من مهامها. لذلك، على “الأونروا” أن تسعى الى تأمين فرص عمل داخل لبنان وخارجه، ولمَ لا تنفذ مشاريع إنتاجية دائمة يمكن أن تُشغل أيدي عاملة ويكون لها مردود مالي ربحي؟ ولعل السيدة كلاوس تعرف المثل الصيني الشهير “لا تعطني سمكة إنما علمني كيف أصطادها”.

أما بالنسبة الى زيادة مستوى الاستشفاء، فستبقى الوكالة تعطي بدل السرير في المستشفى مع نسبة محدودة بدل العمليات. وإذا راجعنا كشوفات المدفوعات فسنجد أن المبالغ المدفوعة خلال السنوات الماضية كان يمكن لـ”الأونروا” أن تؤسس أكثر من مستشفى متطور إضافة إلى امكانيتها التعاون التام مع مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني عبر التوجيه والمراقبة وطاقم العمل وليس دفع الفواتير فقط.

أما الكارثة الكبرى فهي الأولوية الثالثة، أي التعليم. اذ أن هذا القطاع يعاني من تسرب الأطفال من المدارس إضافة الى القوانين غير العلمية والتربوية ومنها الترفيع الآلي في المرحلة الابتدائية. تبدأ الحلول من معرفة أسباب التجهيل المقصود، فمراجعة الآليات تؤدي الى نتائج أفضل. ولأن السيدة كلاوس مطلعة كثيراً على واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تدرك مكامن الخلل وكذلك طرق الحل. فهي أعدت رسالة الدكتوراة الخاصة بها عام 2003، بعنوان “اللاجئون الفلسطينيون في لبنان – إلى أين ينتمون؟”، وهي دراسة ميدانية مهمة بين عامي 1996 و1999. كذلك عملت كباحثة مشاركة متخصصة في شؤون اللاجئين في معهد الشرق الألماني في بيروت ومركز الدراسات والبحوث في الشرق الأوسط. لذلك، وضعت الأولويات وفقاً لنظرتها ودراساتها، وبكل تأكيد تستطيع وضع مسألة اللاجئين على سكة الإنقاذ الشامل بعيداً عن المشاريع السياسية. فالقضية إنسانية في المقام الأول، ولعل من حق اللاجئين الاستبشار خيراً بأن امرأة تدير مشكلاتهم، فالأمر يحتاج الى شيء من العاطفة وسط قساوة يومياتهم، لكن من دون آليات واضحة لتنفيذ أي خطة أو أولويات سيبقى الوضع على ما هو عليه.

شارك المقال