عود على بدء، ها هو لبنان ينغمس مجدداً في مسارات أحداث جديدة تزيد أوضاعه تعقيداً وتأزماً، وتصعب عليه أفق الحل وتجعله أكثر غموضاً.
هي الأزمة القديمة الجديدة، هي مفتاح الحل إذا ما وُجد، وهي الانهيار والارتطام الآتي إذا ما فُقد. وحتى الساعة لا حل لمعضلة الشغور الرئاسي وبالتالي تعيش البلاد حالات الانهيار المؤسساتي المتواصل والمستمر يوماً بعد يوم.
المواقف على حالها لا جلسات لانتخاب رئيس، حتى بعد أن أعلن رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ترشحه من بكركي بعد جولات وصولات وبسرية تامة، قام بها الى الضاحية ودمشق وباريس، وقدم عناوين أساسية لبرنامجه الرئاسي وأبدى انفتاحه على جميع الأطراف واستعداده للحوار مع كل من لديه هواجس، كما أعطى أجوبة عن رؤيته للاتفاق مع صندوق النقد الدولي وشكل الحكومة مستقبلاً، كذلك علاقته مع الخليج العربي وتحديداً السعودية، لكن كل ذلك لم يشفع لفرنجية عند بني جلده خصوصاً في رد رئيس “القوات” سمير جعجع على نعيم قاسم عندما قال الأخير: “إما فرنجية أو الفراغ”، أجاب جعجع: فليكن الفراغ ولن نقبل بمرشح الممانعة.
أما فرنسا أمنا الحنون، فلم تنجح في تليين الموقف المسيحي عبر اتصال من الفريق الرئاسي الفرنسي في قصر الاليزيه بسامي الجميل وبسمير جعجع الذي أكد أن الفرنسيين يعلمون بصفقة معينة مع “حزب الله” لسليمان فرنجية، ولكن كل المعطيات المتداولة حول الدول الأخرى غير صحيحة. وحذر من أن دول الخليج ستقفل أكثر على لبنان اذا انتخب أي مرشح للممانعة، مضيفاً: “ان هناك مصالح اقتصادية لفرنسا وراء الصفقة مع حزب الله”. وقال: “أنا زعلان على فرنسا التي هي أم الديموقراطية وحقوق الانسان، ومع ذلك تذهب لدعم سليمان فرنجية بما لا يتلاءم وتاريخها في لبنان”.
هذا على الصعيد الداخلي للملف الرئاسي، أما خارجياً فلم نجد سوى الفرنسيين متلهفين لبت هذا الملف وهم لم يحصلوا بالتالي على أي جواب عربي وتحديداً سعودي لجهة أن السعودية لا تريد التدخل في الأسماء، وفي الوقت نفسه لم تفتح المجال للفرنسيين للمضي باقتراحاتهم التي لم تلقَ ترحيباً واضح المعالم، هذا عدا عن انشغال المملكة بملفات أخرى آخرها الملف السوري الذي يبدو أن خواتيمه لم تكن على حسب التوقعات، اذ بعد زيارة فيصل المقداد الى الرياض عاد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وزار دمشق طارحاً الخطة السعودية للحل مع سوريا وهي:
تأمين عودة اللاجئين السوريين.
حوار بين بشار الأسد والمعارضة بوساطة سعودية وداخل المملكة.
تشكيل حكومة جديدة في سوريا برئاسة شخصية معارضة معروفة.
طرد ميليشيات “حزب الله” خلال مدة أقصاها ٤ أشهر.
خروج الميليشيات الايرانية على مراحل.
ومن دون تنفيذها كاملة ليست هناك عودة للعلاقات.
ومن خلال كل هذه القراءات نتوصل الى خلاصة مفادها أن الملف اللبناني كله وخصوصاً الرئاسي منه لما يأتِ دوره بعد لا داخلياً ولا خارجياً.
أما ولبنان المركون على صفيح ساخن، فقد تحرك فيه ملف اللجوء السوري بكل تبعاته وتفاصيله، وقد تركتنا الأمم لقدرنا في هذا الموضوع، وتركتنا دولتنا بمعية الأمم تحت قدرها في هذا الموضوع، أصبح كلٌ يتعاطى معه بما يريد.
صحيح أن هذا الملف كبير وشائك لارتباطه بالحرب في سوريا والنظام فيها، الا أنه في الوقت نفسه بدأ في مكان ما يشكل عبئاً على المجتمع اللبناني المثقل بهموم وواقع اقتصادي ضاغط، لكن هذا بالتأكيد لا يعني أن ما يحصل من عملية ترحيل قسري للاجئين هو طريقة سليمة للتعاطي مع هذا الملف، بداية لظروفه وليس نهاية لدقته وحساسيته.
لا يمكن ترحيل السوريين بصورة عشوائية، لذا على كل المسؤولين عن هذا الملف أمميين ومحليين أن يعملوا على تنظيمه وتعود الحكومة الى الخطة التي كانت أعلنتها قبل أشهر لاعادتهم إلى بلادهم، إذ إن هذه الحملة تأتي في سياق مختلف وهو ترحيلهم قسرياً، ما يعرضهم لخطر الاعتقال على يد قوات النظام السوري.
طبعاً ملف الرئاسة إذا ما بقي يرحّل بهذه الطريقة من شهر الى آخر فستضيع معه البلاد والعباد، لكن لا نستخف أيضاً بملف ترحيل السوريين الذي فتح مؤخراً فهو ليس قنبلة واحدة موقوتة لكنه سيكون بمثابة قنابل اذا لم يعرف المعنيون بالشأن لملمة بل قطع دابر النار قبل أن تشتعل، لأن من يريد اشعالها والنظر الى لهيبها وهي تحرق الأخضر واليابس كثر في الدار وعند الجار.