عمّال لبنان… في يوم مجالس العزاء!

زياد سامي عيتاني

الاحتفال بعيد العمّال كان الهدف الأساس منه، تخصيص يوم في السنة للاحتفال بالانجازات الاجتماعية والاقتصادية التي تحققها فئة العمّال في المجتمع.

ويتمّ الاحتفال بهذا اليوم بطرق مختلفة، فالبعض يقيم مهرجانات موسيقية، وآخرون يفضلون تنظيم مسيرات أو ندوات، في حين أنّ بعض الأشخاص يُفضّل الاحتفال بعيد العمّال من خلال الاستمتاع بالاجازة في هذا اليوم والاسترخاء والراحة، وتمضية وقت ممتع مع العائلة، باعتباره مناسبة للتعبير عن بهجة الاحتفال ومدى السرور الذي يعمّ البلاد احتفاءً بالعمّال وإنجازاتهم، وعرفاناً بجهودهم، ولما استطاعت الحصول عليه من مكتسبات الحركة العمّالية.

لكنّ الأجواء الاحتفالية لعيد العمّال في العالم، تحوّلت في لبنان مناسبة لاقامة مجالس العزاء على واقع حال الطبقة العاملة، لا بل على واقع السواد الأعظم من اللبنانيين! فعيد العمّال لا يشبه عيد نظرائهم في باقي بلدان العالم، هنا المناسبة تنقصها مكملات الفرحة والراحة والطمأنينة، فيما هذه العناوين مؤمنة في دول أخرى، ليحلّ الأول من أيار على اللبنانيين مثقلاً بأعباء معيشية وهموم وغياب التكريم لأناس نسوا نكهة العيد.

عيد العمّال يحلّ هذه السنة، واللبنانيون في أسوأ حال منذ نشأة الجمهورية اللبنانية، بحيث أنّ غالبيتهم عاجزة عن تأمين أبسط مستلزمات المعيشة بحدها الأدنى، جراء الانهيار الاقتصادي والمالي، وإنعكاسه فقداناً تامّاً للحماية الاجتماعية، من دون أن تلوح في الأفق أيّ ملامح لحلول ومعالجات قريبة.

أظهرت إستطلاعات ميدانية حديثة إستمرار ارتفاع نسبة الفقر، بحيث أن 3 من بين كلّ 5 أسر يصنّفون أنفسهم فقراء أو فقراء جداً، لا سيما بينهم الذين لا يتلقون تحويلات من الخارج.

فقد أدى إرتفاع معدلات البطالة، وإنخفاض قيمة العملة المحلية، والارتفاع الهائل في معدلات التضخّم، ورفع الدعم عن الأدوية والوقود إلى زيادة الصعوبة التي يواجهها الكثير من الناس لتلبية إحتياجاتهم الأساسية.

ويقدّر الخبراء الاقتصاديون، أنّ أربعاً من كلّ خمس أسر، لديها معيل فقد العمل منذ بدء الأزمة في 2019، خصوصاً مع تخطي معدل البطالة الـ 50% من اليد العاملة، وسط منافسة حادة بين المواطنين اللبنانيين واللاجئن، في غياب تطبيق القوانين العادلة. فرواتب اللبنانيين الذين لم يصرفوا من عملهم وممن لم تقفل مؤسساتهم، لم تعد لتكفي قوت عائلاتهم، وسواها من التقديمات الاجتماعية المعدومة، بل هي بالكاد تكفي لتأمين إنتقالهم إلى مراكز عملهم، كي لا يخسروها (!) أما السكن والطبابة والمدارس والمأكل والمشرب، و”غدرات الزمن”، فهي متروكة للقدر.

بلغة الأرقام، سجّل معدل التضخّم السنوي في لبنان 264% خلال شهر آذار الماضي، على خلفية خفض قيمة سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي. وقال البنك الدولي في أحدث تقاريره عن الأمن الغذائي حول العالم، إن لبنان سجّل أعلى نسبة تضخّم إسمية في أسعار الغذاء ضمن الترتيب العالمي، إذ بلغت النسبة 261% في إرتفاع مؤشر غلاء منظومة الغذاء، كنسبة تغير سنوية للفترة بين نهاية شباط الماضي، والشهر نفسه من العام 2022.

وفي تقرير منفصل عن الفقر، نبّه البنك الدولي على أن الحالة الاقتصادية في لبنان تتدهور بصورة سريعة مقابل الدولار الذي يتم تداوله عند نحو 100 ألف ليرة للدولار الواحد، أي ما يعكس تراجعاً في سعر الصرف بنسبة 98% عما كان عليه قبل اندلاع الأزمة في الفصل الأخير من العام 2019.

وقدر البنك الدولي انكماش الاقتصاد في لبنان بنسبة 0.5% بنهاية العام الحالي، بعدما تقلصت نسبة الانكماش 2.6% بنهاية العام الماضي. ولاحظ أنّ عدم التوصّل إلى حل لمسألة خسائر القطاع المالي المقدّرة بنحو 72 مليار دولار، أي أكثر من 3 أضعاف الناتج المحلّي الإجمالي، يعمّق من أثر الأزمة.

بدورها، تشير الأبحاث التي أجرتها الأمم المتحدة في حزيران الماضي الى أن ما يصل إلى 70% من الأسر تقترض المال لشراء الطعام أو تشتريه بالدين، لافتة الى إرسال المزيد من الأطفال للعمل لاعالة أسرهم، وتزويج الفتيات الصغيرات لتخفيف النفقات المالية.

العمال في لبنان، إضافة إلى أنهم الأكثر تأثراً بالتداعيات الكارثية للأزمة الاقتصادية، هم أيضاً مهددون بمستقبلهم وديمومة عملهم، لغياب نظام الحماية لحقوقهم غير المضمونة في عقد العمل والأجر والتقاعد وضمان الشيخوخة، وحتى الضمان الإجتماعي المهدد بالتوقف نتيجة الشح في السيولة.

وما يدعو الى المزيد من القلق على مستقبل الطبقة العاملة وذوي الدخل المحدود، الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، مقابل “الدولرة” في التسعير والإنفاق، أنهم باتوا عاجزين عن التعبير عن وجعهم واطلاق صرخة مدوّية بحجم معاناتهم المعيشية والاجتماعية، من خلال النزول إلى الشارع، بهدف المطالبة بحقوقهم المهدورة، في ظل إنعدام فاعلية الحركة النقابية، المتواطئة مع الطغمة السياسية الحاكمة، التي لا تعدو كونها مجرد “كومبارس” لها، تحركها غب الطلب بواسطة “الريموت كونترول”.

في عيد العمال في لبنان، يصح القول “عمال لبنان… بلا عمل” (!) فالبلد يكاد يخلو من العمل، ومع تزايد الهجرة سيخلو من العمال.

فهل تفيد المطالبة بـ “يا عمال لبنان اتحدوا”؟

شارك المقال