خضر عدنان والكثير من الخذلان

زاهر أبو حمدة

87 يوماً والأسير الشيخ خضر عدنان (44 عاماً) مُضرب عن الطعام. ما يقرب من ثلاثة أشهر، وفي اليوم الـ 58 كتب وصيته الأخيرة وكأنه يعرف أنه في طريقه الى الاستشهاد من دون ذرة استسلام. هذا اضرابه السادس والأطول عن الطعام، وانتصر سابقاً وتحول الى نموذج في كسر القيد وانتزاع الحرية من الاعتقال الاداري. ويُعتبر عدنان، أبرز الأسرى في مواجهة الاعتقال الاداري لا سيما عبر النضال بأمعاء خاوية. وخاض الشيخ أول تجربة إضراب عن الطعام عام 2004 رفضاً لعزله في سجون الاحتلال واستمر 25 يوماً. أما في عام 2012، ففجّر ما عرف لاحقاً باسم “ثورة الاضراب الفردي” في سجون الاحتلال، ومضى على دربه عشرات الأسرى. وفي هذه المرة خاض إضراباً استمر 66 يوماً، وتزامن مع حراك شعبي واسع حتى قرر الاحتلال الافراج عنه. وفي عام 2015، أضرب الشيخ خضر فور اعتقاله أيضاً ولمدة 56 يوماً. وفي عام 2018 خاض الإضراب عن الطعام 58 يوماً. أما في عام 2021، فاستمر إضرابه عن الطعام 25 يوماً. وتعرّض للاعتقال 12 مرة، وأمضى ما مجموعه نحو 8 أعوام في زنازين الاحتلال، وغالبيتها قيد الاعتقال الاداري، أي بلا لائحة اتهام معلنة ووفق “ملف سري”. لكن الجميع يعرف أسباب اعتقاله، فهو قيادي في حركة “الجهاد الاسلامي”، والأهم أنه مؤثر في الشارع وخطابه وحدوي ضد الاحتلال وكلمته مسموعة في الضفة الغربية. وهذا ما قاله ضابط إسرائيلي لأبناء الشيخ عند اعتقاله: “أبوكم يُحرّك الضفة من شمالها الى جنوبها بكلمة منه، سأجعله يموت في السجن”.

نعود إلى الـ87 يوماً من الاضراب وبقاء حياته في الخطر الشديد، فلم يتحرك لنصرته أحد خلالها منذ اعتقاله في الخامس من شباط الماضي، وإعلانه الإضراب ومع أن سلطات الاحتلال رفضت السماح لعائلته بزيارته، اذ كان يُحتجز في عيادة سجن الرملة، افترشت زوجته وأطفاله الأرض في رام الله طلباً للدعم والضغط على المنظمات الدولية للتحرك، لكن لم يستمع أحد.

اما بالنسبة الى الفصائل الفلسطينية، فلم تتحرك إلا بعد استشهاده. وهذا ما أشارت إليه رندة موسى، زوجة الأسير الشهيد خضر عدنان، فوجهت رسائل شديدة اللهجة الى الفصائل، من منزلها في بلدة عرابة جنوب غرب جنين، بعد ساعات من استشهاد زوجها. تكلمت عمن أسمتهم بالمقصرين والمتخاذلين: “هنيئاً لكم، عيشوا واسعدوا في بيوتكم، خزّنوا أسلحتكم حتى تصدأ وتتلف، فالسلاح الذي لم يُرفع لنصرة خضر، لا نريده أن يثأر لخضر”. هذا الكلام يعني باختصار: أين كنتم خلال ثلاثة أشهر؟

للأسف عدم تدخل الفصائل في الضغط على الوسيط المصري أو الأمم المتحدة لا يمكن وضعه إلا في إطار الاستخفاف وعدم الاهتمام كي لا نقول توصيفاً آخر. أما الشارع الفلسطيني فغض النظرعن قضية الشيخ خصر واقعياً وافتراضياً، ربما لأنه مثقل بالهموم الفردية والجماعية، أو لأن الناس كان عندها ثقة بانتصار الشيخ مرة أخرى كما فعل ذلك سابقاً.

إن ما حصل مع الشيخ خضر درس كبير يجب أن يتلقفه الجميع، فقضية الأسرى ليست تفصيلاً بسيطاً في المشوار النضالي الطويل، وما حصل يمكن أن يتكرر. ومن الخطورة في مكان أن يفقد الأسرى ثقتهم بالفصائل خارج السجن. وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن رد الفعل المتأخر يمكن أن يكون استراتيجية فاعلة، فالعمل وفقاً للصدمة اعتاد عليه الاحتلال وبذلك ينفذ ما يريد وهو يعرف طبيعة الرد.

إن أصعب ما شعر به الشيخ قبل استشهاده يوازي ما شعر به أهله وأبناؤه التسعة، وهو الخذلان. والاحساس يكون أقوى إذا نبع من شخص سخر حياته نصرة للأسرى وخدمة للناس، وحين احتاجهم لم يجدهم. والأصدق أن الشعب فعلاً بحاجة الى أمثال خضر عدنان، فهو ما طلبه ناله ولو فيه الكثير من الخذلان.

شارك المقال