تهديدات موسكو النووية وأبعادها

حسناء بو حرفوش

سطّر مقال في موقع “كارنيغي” ضرورة أخذ التهديدات النووية المتكررة على محمل الجدية. وكتبت لورين سوكين: “من المهم أن نتذكر أن روسيا ليست وحدها من تلوّح بالتهديد النووي وأن هناك دروساً يمكن تعلمها من كيفية استخدام التهديدات النووية في أماكن أخرى. ويمكن ملاحظة أوجه تشابه رئيسة بين كوريا الشمالية، وهي مصدر متكرر للتهديدات النووية، وروسيا في الظروف الحالية. البلدان كلاهما في حالة من العزلة، مع عدد قليل من الحلفاء ومحيط من العقوبات ويعتمدان بصورة كبيرة على الأسلحة النووية. ويشعر البلدان بقلق عميق بشأن إرثهما ويدينان بالفضل لطموحات السياسة الخارجية غير القانونية وغير الواقعية بطريقة متزايدة. ومع وضع أوجه التشابه هذه في الاعتبار، يجب أخذ التهديدات على محمل الجد.

كوريا الشمالية والتهديدات النووية المتكررة

في 24 آذار، نشرت وكالة الأنباء المركزية الكورية في كوريا الشمالية مقالاً أعلنت فيه اختبار مسيرة جديدة لهجوم نووي تحت الماء. وأشار المقال إلى هذا السلاح الجديد كجزء من استعدادات كوريا الشمالية “لحرب شاملة ولتمكين قوتها النووية من حيث النوعية والكمية على أساس الأولوية”. وعلى غرار ما يحدث مع روسيا، غالباً ما صنفت التهديدات النووية لكوريا الشمالية بأنها مجرد “كلام” غير موثوق به وكدليل على وجود نظام ربما غير عقلاني. العديد من تهديدات كوريا الشمالية عامة أو مرتبطة بظروف غير معقولة، ولكن عندما يكون الخطاب حول النووي ثابتاً، يمكن تعلم بعض الدروس إذا درسنا هذا السلوك بصورة أكثر منهجية.

وتوفر التهديدات النووية المتطرفة والمتكررة معنى بطريقتين أساسيتين: أولاً، يمكن للمراقبين فحص الأنماط في محتوى هذه التهديدات لفهم المخاوف الأمنية الدولية بصورة أفضل، بحيث تستخدم الدول التهديدات النووية لرسم الحد الفاصل حول القضايا التي تهتم بها بشدة. ثانياً، يعد تكرار التهديدات أمراً مهماً. حتى مع وجود خط فاصل، تترافق الفترات التي تتضمن التهديدات بصورة كبيرة مع إجراءات عدوانية.

من بيونغ يانغ إلى موسكو

على الرغم من أن بعض التهديدات تحاول إقناع الخصوم بالتراجع الكامل أو بتغيير نهجهم بصورة كبيرة، لا تحقق هذه الاستراتيجية الكثير. على سبيل المثال، لا تستطيع كوريا الشمالية إجبار الولايات المتحدة على التراجع عن التدريبات المخطط لها أو الجارية بالفعل، ولكن من خلال انتقاد هذه الأنشطة، ربما لا تزال تعتقد أنها حققت انتصاراً من خلال منع تصعيد التدريبات نفسها إلى شيء أسوأ. توضح هذه الديناميكية فوائد التهديدات وقيودها، وقد لا تطلق كوريا الشمالية أسلحة نووية، كما تهدد، ولكن موقفها يكشف عن مخاوف استراتيجية حقيقية.

كيف تُترجم هذه الدروس إلى السياق الروسي؟ تعكس التهديدات النووية الروسية على ما يبدو بعض الأهداف المتطورة ذات الأولوية في الحرب الروسية – الأوكرانية. وتشمل هذه الاجراءات ردع الناتو عن تطبيق “حظر طيران” فوق أوكرانيا ومنعهما من إخراج القوات الروسية من الأراضي المتنازع عليها. تشكل هذه التهديدات خطاً أحمر إلى حد ما، وهي لا تجبر على عكس أي سياسات قائمة لكنها تكبح الاجراءات الجديدة التي قد لا تعجب روسيا، لكن هناك حدود لما يمكن لها تحقيقه من خلال التهديدات النووية، مثل استخدامها للتأثير على الجغرافيا السياسية خارج نطاق المخاوف المباشرة للحرب الروسية – الأوكرانية.

أما الطريقة الثانية التي يمكن للتهديدات النووية أن تكشف فيها عن مغزى استراتيجي فهي من خلال نسبة تواترها. لطالما جادل المراقبون بأن الأفعال أفصح من الكلام، وهكذا، عندما يكذب القادة، يفقدون مصداقيتهم. من وجهة النظر هذه، تواجه كوريا الشمالية بالتأكيد مشكلة مصداقية وتهديداتها لا تؤخذ على محمل الجد. ومع ذلك هذا المنظور خاطئ بحيث إن هناك أدلة قوية على أن الدول توجه التهديدات عندما تشعر بالفعل بالتهديد، وكلما زاد الشعور بالتهديد، زاد احتمال رد الفعل. وعلى الرغم من أن الاحتمال ضئيل، يمكن لأي تهديد أن يتصاعد عن غير قصد، وينطبق هذا النهج على كوريا الشمالية. علاوة على ذلك، تسبق التهديدات الاستفزازات وتتنبأ بها. ويوفر تحليل تواتر التهديدات ومحتواها طريقة لتحديد توقيت الاستفزازات المحتملة بين الدول بدقة أكبر.

وبالمثل، قد تشير التهديدات النووية العديدة من روسيا إلى أن النظام لا يرى أن موقفه في خطر فحسب، بل إلى استعداده أيضاً لتحمل مخاطر شديدة لضمان أمنه. وفي حين أن التهديدات النووية الروسية قد لا تعني بالضرورة أن الدولة تستعد للاستخدام النووي الفعلي، على الأقل ليس على المدى القصير، من غير المرجح نفيها أيضاً. وقد تشير التهديدات النووية الأكثر تواتراً إلى أن موسكو ترتبك، ويترجم ذلك بشكل سياسات نووية أخرى محفوفة بالمخاطر، مثل تسريع عملية نشر الأسلحة النووية في بيلاروسيا وإنتاج أنظمة إيصال إضافية ذات قدرة مزدوجة أو حتى توسيع الترسانة النووية الروسية أو قد يعني شن هجمات إضافية في أوكرانيا، تصل إلى وتشمل الاستخدام النووي المحدود. وستمثل مثل هذه الاجراءات إلحاح التحدي الروسي للنظام النووي العالمي وتكشف عن عدم ارتياح عميق بين بوتين ودائرته الداخلية.

بالمحصلة، سيكون من الساذج تجاهل أو رفض تهديدات روسيا لأن خطابها ليس مجرد تلاعب استراتيجي بالمشاعر الغربية، ولكنه يكشف عن قلق شديد قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر نووية أم لا. ولسوء الحظ ، لا يملك المجتمع الدولي سوى القليل من القوة لمنع استخدام التهديدات النووية. وعلى الرغم من أن معاهدة حظر الأسلحة النووية تحظر رسمياً التهديد النووي، لم تنضم روسيا ولا أي دولة نووية أخرى إليها. ولا يزال بإمكان المجتمع الدولي اتخاذ الخطوات اللازمة لتوضيح أن التهديد في الخطاب النووي يجب أن يظل على هذا النحو: الخطاب. يجب أن تكون موسكو على يقين من أن أي استخدام للأسلحة النووية لن يتم التسامح معه بأي شكل من الأشكال. إذا حدثت مثل هذه المأساة، فلا بد من مواجهتها بإدانة عالمية مدوية وفورية، فضلاً عن قائمة طويلة من العقوبات المصاحبة، من المزيد من العقوبات إلى استبعاد روسيا من الأنظمة الدولية. هنا أيضاً، هناك دروس يمكن استخلاصها من كوريا الشمالية. يجب أن تعرف موسكو، من دون أدنى شك، أن الاستخدام النووي سيجعلها دولة منبوذة، مضيفة عنصراً آخر إلى قائمة أوجه التشابه بينها وبين بيونغ يانغ. بعد كل شيء، من مصلحة الجميع أن تتذكر روسيا تعهدها الحيوي: لا يمكن كسب الحرب النووية ويجب عدم خوضها أبداً”.

شارك المقال