المبادرة الأردنية تمهّد لعودة سوريا الى الجامعة العربية

زياد سامي عيتاني

عُقد في العاصمة الأردنية عمّان الاثنين الماضي اجتماع لوزراء خارجية الأردن والعراق والسعودية ومصر وسوريا، إستكمالاً لاجتماعات تشاورية بشأن الأزمة السورية.

الاجتماع كان مغلقاً بمشاركة وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، الذي يزور الأردن للمرة الأولى منذ بدء أزمة بلاده عام 2011. وقد أتى استكمالاً للاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر، الذي استضافته الرياض في 14 نيسان الماضي، وتقرّر خلاله إجراء اتصالات مع النظام السوري في سياق طروحها، لا سيما أردنية للتوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية.

اتفق حينها الوزراء العرب المشاركون في إجتماع جدة على أهمية تأدية دور قيادي عربي في الجهود الرامية الى إنهاء الأزمة في سوريا. وعقب الاجتماع بأيام، زار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، دمشق في أول زيارة رسمية سعوديّة إلى سوريا منذ القطيعة بين الدولتين مع بدء النزاع في سوريا قبل 12 عاماً.

إلا أنّ ما ميّز لقاء الأردن، مشاركة وزير الخارجية السورية، إذ أنّه الاجتماع العربي الأول الذي يُدعى إليه ممثّل عن النظام السوري للمشاركة فيه، منذ قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 2011.

وقبل الاجتماع العربي الموسع بحضور المقداد، إلتقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نظيره السوري، بصورة ثنائي، وناقشا وجود الميليشيات الأجنبية في سوريا وقضايا اللاجئين والمياه وأمن الحدود، بما في ذلك مكافحة تهريب المخدرات.

وكشف مسؤولون أنّ الصفدي اجتمع قبل يوم من اللقاء العربي في الأردن مع مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف خلال زيارتها الى البلاد، وقد حثّت الدول العربية التي غيّرت موقفها على الحصول على شيء مقابل التعامل مع الأسد، مؤكدة أنّ واشنطن لن تغيّر سياستها تجاه الحكومة السورية.

وبعد اختتام الاجتماع، تواصل وزير الخارجية الأردني مع ممثلين من الدول العربية التي لم تحضر لاطلاعهم على نتائجه، خصوصاً تلك الدول التي لا تزال تمانع عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وفي مضمون اجتماع الأردن، كشفت مصادر ديبلوماسية عربية أنّه وضع الأساس لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، على مفهوم خريطة الطريق المتبادلة، علماً أنّ الأردنَ اقترح سابقاً تشكيل مجموعة عربية مشتركة تتعامل مع حكومة النظام السوري مباشرة، بشأن خطة مفصّلة لإنهاء الصراع، تتناول جميع القضايا الرئيسة، وعلى نهج “خطوة بخطوة” لحل الأزمة، حتى تتمكّن سوريا من استعادة دورها في المنطقة والانضمام مجدداً إلى جامعة الدول العربية.

وقالت المصادر: “إنّ الخطة استندت إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بشأن سوريا، بما في ذلك القرار 2254، الذي يطالب جميع الأطراف بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات رسمية، والقرار 642، الذي يسمح بإيصال المساعدات الانسانية المنقذة للحياة إلى البلاد”.

كما اتفق الوزراء المجتمعون على إجراءات لمواجهة التحديات الأمنية المتعلقة بأمن الحدود من خلال إنشاء آليات تنسيق بين الأجهزة العسكرية والأمنية السورية ونظيراتها في دول الجوار.

ودعا الأردن سوريا إلى الإشتراك مع الدول العربية في وضع خريطة طريق لإنهاء الصراع ومعالجة قضايا اللاجئين، والمعتقلين، وتهريب المخدرات، والميليشيات المدعومة من إيران هناك، وكلّها قضايا تؤثّر في الدول المجاورة.

وجرى خلال الاجتماع الاتفاق على حلّ أزمة اللاجئين و”البدء الفوري” بإجراءات تسهيل عودتهم الطوعية والآمنة إلى بلادهم، بما في ذلك الخدمات العامة ومراسيم العفو العام، فضلاً عن المصالحة الشاملة.

وعلى الوتيرة نفسها، حل أزمة النازحين داخلياً، كما في مخيم “الركبان”، وذلك بالتعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة للاجئين، والتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، إلى جانب التعاون بين الحكومة السورية والحكومة الأردنية في تنظيم عملية العودة الطوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، على أن يشمل ذلك في مرحلة لاحقة الدول الأخرى المستضيفة للاجئين السوريين.

تأتي هذه الاندفاعة الديبلوماسية الأردنية الرامية إلى تذليل العقبات أمام عودة سوريا، لاعتبارات تتعلق بالأعباء والأثقال التي تتحملها عمان، منذ الحرب السورية، بحيث أنها تحارب الجماعات المسلحة المهرّبة للمخدِرات من سوريا، التي تجعل من الأردن وجهة ومسار عبور رئيس للكبتاغون. فمنذ سنوات تدور حرب على الحدود الأردنية مع سوريا، بسبب عمليات التهريب المتصاعدة، فيما اتهمت تقارير غربية شقيق رئيس النظام السوري ماهر الأسد، بالمسؤولية عن هذه العمليات، التي ترعاها الفرقة الرابعة من الحرس الجمهوري التي يقودها.

والمفارقة الغريبة في هذا السياق، ما قاله التلفزيون الأردني الرسمي، بأنّه وبالتزامن مع استضافة عمّان للقاء العربي وبمشاركة سوريا، (جزء منه، من أجل دفع النظام السوري الى اتخاذ خطوات ضدّ التهريب) إن الجيش أحبط عملية تهريب مخدرات من سوريا، وقُتل أحد المهربين بينما فرّ الباقون عائدين إلى الأراضي السورية!

على الرغم من هذه “الدينامية” الديبلوماسية الأردنية، فإنّ ما تقوم به عمان من إتصالات لإنجاح مبادرتها، ليس منفصلاً عن اجتماع الرياض، بل إنّ هذه الحركة تتمّ بالتنسيق بين الأردن والسعودية، على قاعدة توزيع الأدوار، بهدف تعبيد الطريق أمام مشاركة سوريا في القمة العربية التي تستضيفها المملكة منتصف الشهر الجاري.

وفي الإطار، أفادت معلومات ألمانية نقلاً عن مصادر الخارجية الأردنية بأنّ “الدور الأكبر والفاعل في عودة سوريا يرتبط بالمملكة العربية السعودية التي تستضيف القمة العربية المقبلة، وليس الأردن أو أيّ دولة عربية أخرى، خصوصاً في ظل موقف قطر الواضح والرافض مع عدد من الدول العربية الأخرى تجاه ذلك”. وتابعت: “إنّ أيّ تقدّم عربي في هذا الملف لن يكون ذا وزن كبير من دون وجود تفاهمات تحظى بموافقة دولية، خصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية”.

إنّ إلتزام الحكومة السورية بهذه القرارات، والانفتاح على المفاوضات البناءة مع الأطراف السورية الأخرى، والافراج عن الأسرى، وفتح ممرات للمساعدات الانسانية، وتهيئة المناخ المناسب لتشجيع اللاجئين على العودة إلى ديارهم، والتصدي لصناعة المخدرات غير المشروعة والاتجار بها، هي الركائز الرئيسة للمبادرة الأردنية المقترحة، التي تؤسّس لإقناع الدول الرافضة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، قبيل إنعقادها في 19 الجاري في الرياض، لا سيما أنّ مقترح دعوة الأسد لحضور القمة كان لا يزال يلقى إعتراضات خلال إجتماع جدة.

عندها، ستتخذ الدول العربية خطوات إيجابية تدريجية تجاه سوريا، إضافة إلى التوصّل إلى توافق حول ما إذا كانت ستدعو الرئيس بشار الأسد الى حضور القمة العربية، خصوصاً وأنّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، سيكون له معنى كبير في مناقشات المتابعة مع المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة.

هل تتكلّل الجهود السعودية – الأردنية المشتركة بالنجاح، لتسمح بالتطبيع التدريجي للعلاقات بين الدول العربية وسوريا؟

أمام سوريا فرصة تاريخية للعودة إلى موقعها العربي الطبيعي بحكم التاريخ والجغرافيا، إذا التزم نظامها بتنفيذ ما هو مطلوب منها، ما سيمكّن الدول العربية النافذة من بذل الجهود لرفع العقوبات الدولية عنها.

العيون العربية شاخصة نحو سوريا، بعد زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي اليها ولقائه الرئيس الأسد، لمعرفة ما إذا كان هدفها الاطاحة بكلّ ما تعهّدت به تجاه الدول العربية المنفتحة عليها؟

 

شارك المقال