شوفينيّة التبولة

سياسة 9 أيار , 2023 ـ 12:01 ص
        اخر تحديث قبل: 3 أسابيع
لبنان

 

كل الشعوب تغني، كل الشعوب ترقص، كل الشعوب تأكل.

كلنا يعلم أن جميع دول العالم تقريباً فيها جبال وأنهار وأراضٍ زراعية. لكن هذا كله مرفوض من وزير السياحة ومن الأوركسترا الحاكمة ومن الكثير من الاعلام الذي يوزع الأيديولوجية على الناس صباح مساء...

تقول كلمات إحدى الأغاني الانكليزية: "ربما لأنني من لندن، فأنا أحبها كثيراً". وتقول زميلة لها روسيّة: "يا روسيا بلادي، كم أنت واسعة".

لندن بالمناسبة، هي أجمل من مدينة صور وأكثر جمالاً من مدينة بنت جبيل، وكذلك اتساع روسيا الذي يبلغ حوالي سدس الكرة الأرضية كلها، بما في ذلك برمانا وضهور الشوير.

إذا نظرنا الى الأغاني اللبنانية نجد أن أكثر كلماتها تواضعاً، هي في حجم: "جبالنا حد السما بتلوح" و"جنّات عا مد النظر ما بينشبع منها نظر".

ولمزيد من التواضع: "لبنان يا قطعة سما"، و"لبنان الدنيا كلها، المجد بأرزاتو تغنّى، مرمى الثلج لفقش الموج، صورة صوَّرها الله".

يا جماعة، لبنان ليس البلد العربي أو المتوسطي الوحيد الذي فيه جبال. إن أعلى جبل في لبنان هو قمة القرنة السوداء مثل سلسلة جبال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، تعلو عن سطح البحر 3000 م... وجبل الطائف في السعودية في الارتفاع نفسه تقريباً، بالاضافة إلى جبال المغرب (الأطلسي العالي وغيره)، وجبال الجزائر، حتى لا نتحدث عن جبال طوروس في تركيا من دون أن ندخل إلى اليونان لأنها بعيدة بعض الشيء.

بالمناسبة، تبلغ مساحة "لبنان الدنيا كلها" 10,000 كيلومتر مربّع، مع عدم تخلينا أو نسيان الـ 452 كيلومتراً مربّعاً - أي أقل بكثير من محافظة البصرة في جنوب العراق.

ماذا سينظم شعراؤنا إذا تجوّلوا في وديان شمال العراق وصحاريه وسهوله، أو في منطقة فاس في المغرب، أو في الجزيرة العربية السعودية، وقد يصلون إلى وادي حضرموت الكبير؟

هل سيصرّون على "جنّات عا مد النظر"؟

الشوفينية عمياء من دون حدود - "لبنان يا قطعة سما".

إذا كانت السماء، كما تقول الكتب الدينية، هي مكان القديسين والأبرار، فالكلام صحيح ودقيق، وخصوصاً أن عدد هؤلاء في تزايد دائم - تحديداً في عالم السياسة والمضاربة. أما إذا كان المقصود بعبارة "قطعة سما" إقراراً علميّاً بفضائية لبنان (أي عدم وجود أي شيء ثابت فيه) فهو "وصف دقيق" (رحم الله الرئيس الحريري).

كل هذا الغرور له تفسير، لكن غير المقبول هو نزول مستوانا الحضاري إلى مستوى المأكولات، بحيث يصبح لبنان بلد التبولة والفروج المشوي كشعبه على الحطب...

تصوروا الشعب الألماني يوزع إعلانات أو أغاني من نوع "ألمانيا بلاد الستيك أو بواڨر" أو "النمسا بلاد الجبنة المقلية بالزبدة" أو"أميركا بلد الهامبرغر". وللذين تجذبهم تركيا، فهي بعد روسيا بلد الكافيار.

الكل ما عدا أوركسترا الحكم يعلم أن معظم المأكولات اللبنانية جزء من المطبخ البلقاني الموروث عن بيزنطيا، وهذه المأكولات شائعة في اليونان وفي تركيا وفي شمال سوريا خصوصاً.

لن نمس بالأرز "اللي تغنى باسمو المجد"، ولكن للعلم فقط أن هناك جبلاً كاملاً في الجزائر يُعرَف بجبل "الشريعة" مشكوك بشجر الأرز وطوله فقط 22 كيلومتراً، وكذلك جبال الأرز في المغرب حيث يفوق طولها الـ 40 كيلومتراً.

ماذا لو كنّا من مواليد أو سكان جبال الهيملايا أو جبال الألب أو حتى جبال المكسيك؟ شو كان صار؟

خففوا شوفينيّة، وشويّة تواضع مش غلط.

شارك الخبر

مواضيع ذات صلة:

Contact Us