سوريا ترمّم العلاقات العربية الثنائية بدلاً من التطبيع الشامل!

زياد سامي عيتاني

بعد غياب طال لأكثر من 11 عاماً على تعليق مشاركة سوريا في جامعة الدول العربية، إتفق وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم التشاوري الذي عقد في القاهرة الأحد، برئاسة وزير الخارجية المصري سامح شكري، على عودتها إلى الجامعة، واستئناف مشاركة وفودها في اجتماعاتها، بعدما كانت هذه العودة متوقعة في ظل الخطوات التي سبقتها من جانب عدد من الدّول العربية، التي أعادت تشريع باب التواصل مع النّظام السّوري.

ودعا الوزراء العرب إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرّج في حلّ الأزمة وفق مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة”، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، بمواصلة الجهود التي تتيح ايصال المساعدات الانسانية الى كلّ المحتاجين في سوريا. كما طالبوا بتشكيل لجنة اتصال وزارية مؤلفة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام، لمتابعة تنفيذ اتفاق عمان والاستمرار في الحوار المباشر مع دمشق للتوصّل الى حلّ شامل للأزمة يعالج جميع تبعاتها.

في المقابل، أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً قالت فيه إنّ سوريا تشدّد على أهمية العمل المشترك والحوار للتصدي للتحديات التي تواجهها الدول العربية، وإنّ المرحلة المقبلة تتطلّب نهجاً عربياً فاعلاً، يستند إلى الاحترام المتبادل.

ومع هذا القرار، تنتهي عزلة ديبلوماسية فرضتها دول عربية عدة منذ بداية النزاع في 2011 على دمشق، التي تتطلّع اليوم إلى أموال إعادة الاعمار، على الرغم من أنّ الطريق لا يزال يبدو طويلاً أمام تسوية سياسية في بلد مقسّم، تتنوّع القوى المسيطرة فيه.

يأتي هذا القرار قبل أقل من أسبوعين على موعد القمة العربية المقبلة التي تستضيفها المملكة العربية السعودية في 19 أيار الجاري، بحيث تحاول الدول العربية التوصّل إلى توافق بشأن دعوة بشار الأسد الى حضورها، لمناقشة وتيرة تطبيع العلاقات، وكذلك الشروط التي يمكن السماح بها لسوريا بالعودة إلى الجامعة.

كذلك، فإن عودة سوريا إلى حضنها العربي تتزامن مع تغيّر في الخريطة السياسية الاقليمية بعد الاتفاق السعودي – الايراني الذي تُعلّق عليه آمال بعودة الاستقرار في منطقة لطالما هزتها النزاعات بالوكالة، وكان الملف السوري يُعد أحد القضايا الشائكة التي زادت من التوترات بين الرياض وطهران.

ويعتقد بعض المحللين أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق قبل أيام قليلة، وضعت ضغوطاً إضافية على الدول العربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية. وقد لا تغيّر هذه العودة إلى الحضن العربي الخريطة السياسية والميدانية على المدى القريب، إذ أن هناك أطرافاً أخرى يجب أخذها في الحسبان، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة، التي تنشر قوات في سوريا دعماً للمقاتلين الأكراد، إلى تركيا التي تسيطر على مناطق حدودية، والتي بدأت بدورها محادثات مع سوريا حول استئناف العلاقات.

وانتقدت الولايات المتحدة قرار عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، معتبرة أنّ دمشق لا تستحق هذه الخطوة. كما شككت الادارة الأميركية في رغبة الرئيس السوري في حلّ الأزمة الناجمة عن الحرب الأهلية في بلاده. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إنّ الولايات المتحدة تعتقد، مع ذلك، بأن الشركاء العرب يعتزمون استخدام التواصل المباشر مع الأسد للضغط من أجل حل الأزمة السورية التي طال أمدها وأنّ واشنطن تتفق مع حلفائها على “الأهداف النهائية” لهذا القرار.

كذلك، عارضت دول عربية، منها قطر التطبيع الكامل من دون وجود حلّ سياسي للصراع السوري. وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري في بيان: إنّ موقف الدوحة من تطبيع العلاقات مع حكومة الرئيس الأسد “لم يتغير” ولا يزال “يرتبط في المقام الأول بالتقدّم في الحل السياسي” للأزمة السورية.

وحرصت دول أخرى على وضع شروط لعودة سوريا. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إنّ عودة سوريا، التي لا تزال خاضعة لعقوبات غربية، إلى جامعة الدول العربية مجرد بداية متواضعة جداً لعملية ستكون طويلة جداً وصعبة.

بدوره قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحافي: “عودة سوريا لشغل المقعد هي بداية حركة وليست نهاية مطاف، بمعنى أن مسار التسوية للأزمة السورية سيأخذ مرحلة من الاجراءات”.

وأكد مسؤول أردني أن سوريا سيتعيّن عليها إظهار جديّتها في التوصّل إلى حلّ سياسي لأن هذا سيكون شرطاً مسبقاً للضغط من أجل رفع العقوبات الغربية، وهي خطوة حاسمة قبل توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار.

بعد نقطة التحول هذه على صعيد الواقع العربي وجامعة الدول العربية، التي أعادت الاندماج الى النظام السوري، بفعل “إدارة الديبلوماسية الاستباقية” الجديدة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي كانت الأمر الحاسم لهذه العودة، يبقى السؤال المركزي: هل تراهن دمشق الآن على التطبيع الكامل مع الدول العربية أم أنها لا تزال متمسكة بما سبق أن أعلنه الرئيس بشار الأسد في حوار مع التلفزيون الروسي بأنه يشترط للعودة الى الجامعة أن تكون هناك علاقات ثنائية جيدة بين نظامه وكل دولة عربية على حدة؟

تخشى مصادر عربية مراقبة أن يكون النظام السوري الذي يعتبر نفسه خرج منتصراً على “الحرب الكونية” (كما سمّاها) التي شنت عليه، يناور من موقع المنتصر، مع معرفته أنه بات حاجة وضرورة للدول العربية، للعب دور فاعل في معالجة الملفات المستعصية المتعلقة باللاجئين السوريين، وخصوصاً تهريب “الكبتاغون” إلى الدول العربية!

من هنا لا تستبعد المصادر عينها، أن يكتفي الأسد، الذي يملك نفساً وصبراً طويلين، في المرحلة الأولى بإستعادة الشرعية العربية، وإرساء علاقات ثنائية مع الدول العربية الفاعلة والمؤثرة، للإفادة من قدراتها وعلاقاتها، للتفاوض والمساومة معها من أجل فك الحصار الدولي عليه، لا سيما من الدول الأوروبية، الأقل تشدداً من الادارة الأميركية، خصوصاً وأن هناك دولاً أوروبية دخلت بالفعل في محادثات مع النظام السوري.

فسوريا بحاجة إلى أوروبا لمشروع إعادة الإعمار، ولدول الخليج لإنعاش اقتصادها الذي يعيش في حالة من الفوضى.

في الواقع، بالنسبة الى دمشق، فإن التطبيع وإعادة الإعمار مرتبطان إلى حد ما! إعادة إعمار البلاد أولوية للنظام السوري الذي يعاني من صعوبات إقتصادية. ولفترة طويلة، ربطت أوروبا، وكذلك الولايات المتحدة، دعمها الاقتصادي بإحراز تقدم في ما يتعلق بالتحول السياسي.

هذا الشرط لم يتم الوفاء به من النظام السوري. لذلك، بعد التطبيع مع الدول العربية، يصبح من الصعب على الدول الغربية الحفاظ على مطلب الانتقال، مقابل إعادة البناء الاقتصادي.

بناءً على كل ذلك، فإن سوريا غير متحمسة (سياسياً) بالقدر نفسه للدول العربية لاعادة إنخراطها في الجامعة العربية، لأن خياراتها التحالفية الكبرى مع كل من إيران وروسيا غير قابلة للبحث، والدليل على ذلك زيارة الرئيس الإيراني الى سوريا، وإبرام “رزمة” من الاتفاقات الاقتصادية “العملاقة”، عشية صدور القرار العربي برفع الخطر عنها في رسالة واضحة للعرب!

إذاً، أقصى ما ستفعله سوريا هو إعادة ترميم علاقاتها بصورة ثنائية ونشطة مع الدول العربية القادرة على تأمين إحتياجاتها الاقتصادية والاعمارية، مقابل إلتزامها البطيء والمتدرج بالحل السياسي، الذي هو القاعدة التي يمكن أن تبنى عليها كل الأسس الأخرى لعودة الاستقرار والأمن الى سوريا العائدة إلى بيئتها العربية.

من دون الحل السياسي، فإن التطبيع العربي مع سوريا زائف، يجعل منها نهباً للأجندات الخارجية وميداناً للتنافس الدولي. فهل سوريا الأسد، مستعدة للمضي في الحل السياسي، وإظهار إرادة حقيقية في العودة الطوعية للاجئين، ومحاربة تجارة المخدرات التي باتت شاغلاً لدول المنطقة بعدما أغرقت تنظيمات الجريمة المنظمة هذه الدول بالمواد المخدرة بما يمثل خطراً كبيراً على المجتمعات العربية؟

اليد العربية ممدودة نحو سوريا، التي عليها في المقابل كثير من الجهد لتلاقي تلك الجهود.

شارك المقال