إيران تهيمن إقتصادياً على سوريا ثمناً لدعم النظام

زياد سامي عيتاني

إنّ الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي الى الرئيس السوري بشار الأسد، قبل أسبوع من اتخاذ قرار إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، تأتي تتويجاً للسياسة التي راهنت طهران عليها في الوقوف إلى جانب حكومة دمشق، بحيث تعتبر أنّ من حقّها “أن تقطف ثمرة محاربة الارهاب” في سوريا خلال فترة السلم وإعادة الإعمار فيها، بعد الثمن الباهظ الذي دفعته دعماً للنظام السوري طوال أكثر من عقد، خصوصاً وأنّها ترى أنّ المساعدة العسكرية التي قدمتها الى سوريا، كانت حاسمة في ساحات القتال الرئيسة، وتحديداً في محافظة حلب الشمالية ومحافظة دير الزور الشرقية، من بين مجالات أخرى.

الجانب الايراني بات يطرح نفسه بقوة كمساهم في مرحلة إعادة الاعمار، مرجّحاً أن تحقّق الزيارة نتائج اقتصادية مهمّة، وقد يتمّ التركيز على إستراتيجيات إقتصادية بعيدة المدى.

والدخول الاقتصادي الايراني الى سوريا، ليس مستجداً، اذ أن لايران ديوناً على النظام تراكمت خلال أكثر من عقد، تريد تحصيلها مع بداية إنفراج علاقات دمشق مع الدول العربية، والتي من المتوقع أن تساهم في عملية النهوض الاقتصادي وإعادة الإعمار.

وللتذكير، فإنّ إيران تنشط في العديد من المجالات في المناطق السورية الخاضعة للنظام، أبرزها قطاع العقار والكهرباء والمطاحن، كما أنّ الجانب الايراني إلتفت في الآونة الأخيرة إلى قطاع النقل البحري والجوي والبري، وهو يستحوذ على هذه القطاعات ويهيمن عليها هيمنة كاملة.

كذلك، تقتضي الاشارة الى طريقة تمويل الحرس الثوري الايراني للميليشيات التي ينشرها في سوريا، وتتمّ عبر العديد من الموارد، لعلّ أبرزها تجارة العقارات والمخدرات، وتهريب البضائع إلى العراق عبر معابر غير رسمية، إضافة إلى المحروقات التي يستخرجها من الآبار والحقول التي يسيطر عليها في سوريا. ويمكن القول إنّ هناك إقتصاداً إيرانياً موازياً لاقتصاد النظام وحكومته، ولدى الايرانيين شركات تحويل وإستلام أموال كثيرة في سوريا.

وبالعودة إلى مذكرات التفاهم والمعاهدات الاقتصادية، فقد جرى خلال إجتماع الرئيسين الأسد ورئيسي، توقيع مذكرات تفاهم من أجل تعاون طويل الأمد وشامل في مختلف المجالات، لا سيما في مجالات النفط والاتصالات والطيران المدني والسكك الحديدية والزراعة وغيرها.

بعد توقيع مذكرات التفاهم، قال الأسد إنّ المحادثات مع رئيسي تركزت بصورة أساسية على القضايا الاقتصادية. وأشار إلى أنّ المشاريع قيد المناقشة ستعطي العلاقات الثنائية “دفعة قوية”. كما عقدا اجتماعاً في ختام زيارة رئيسي، ناقشا خلاله الخطوات الاقتصادية التي ستتخذ خلال المرحلة المقبلة في مجالات الطاقة ومحطات الكهرباء والسياحة والمشاريع الاستثمارية المشتركة، وكذلك تسريع الاجراءات اللازمة لانشاء بنك تعاوني لتسهيل التبادل التجاري.

وشدّد رئيسي في لقاء منفصل مع رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس، على إستعداد الشركات الايرانية للمشاركة الفاعلة في عملية إعادة الإعمار في سوريا.

وتحدثت مصادر مواكبة عن أنّ رئيسي حاول الحصول على إمتياز ميناء اللاذقية للأهمية الحيوية الخاصة التي يحظى بها، ولضرورة ربط إيران بأوروبا عبر المتوسط، إلا أنّ القرار النهائي السوري في هذا الشأن أرجئ الى مرحلة لاحقة. كما أقنع الرئيس الأسد بتمديد الطريق على المدى الطويل ليصل إلى الأردن ولبنان. وهناك حديث أيضاً عن أنّ النظام سيمنح الجانب الإيراني 5 آلاف هكتار تضمّ المزارات الشيعية في سوريا والتي شهدت توسعاً منذ العام 2011.

وبرأي خبراء، فإن الجانب الايراني يركز الاهتمام على العاصمة دمشق وعلى حلب كبرى مدن الشمال السوري بوصفهما مركز الثقل الاجتماعي والاقتصادي، كما يركز على الخط الذي يبدأ من مدينة البوكمال على الحدود السورية – العراقية باتجاه دير الزور وحمص ودمشق.

ولطالما كانت شركة السكك الحديدية الايرانية المملوكة للدولة تطمح إلى توسيع شبكتها عبر العراق وسوريا، وربطها بميناء اللاذقية السوري على البحر الأبيض المتوسط لتعزيز التجارة، لا سيما أنها تحاول جاهدة ربط الممر التجاري من شمالها إلى جنوبها لتعزيز التجارة مع روسيا.

إذاً، من الواضح أن الجانب الاقتصادي كان من أولويات زيارة الرئيس الايراني إلى دمشق، حيث تريد طهران قطف نتائج إقتصادية واسعة للدعم اللامحدود السياسي والعسكري الذي قدمته الى النظام.

ولا بد في هذا السياق من الاشارة الى أن سوريا تخصع بسبب مواجهتها الاحتجاجات ضد السلطة في بداية النزاع، وإيران بسبب برنامجها النووي، لعقوبات دولية قاسية تجعل كل التعاملات المالية والتحويلات المصرفية أمراً شبه مستحيل بالنسبة إلى حكومتيهما.

لذلك، فإن الزيارة بعثت برسالة مفادها أن العلاقات السورية – الايرانية مستقرة ومستمرة ولن تتغير في إطار أي تسوية في المستقبل، وأن التعاون الاقتصادي عامل حاسم في الزيارة، خصوصاً وأن سوريا تطور نهجاً اقتصادياً تجاه الشرق في ظل العقوبات والسياسات الاقتصادية الغربية تجاهها، لذا فانها بحاجة إلى تكامل إقتصادي مع دول رئيسة مثل العراق وإيران لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الشرق.

وهذه الشبكة الاقتصادية المصاحبة للزيارة تطور طبيعي للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وهي تشير إلى توجه سوري يسعى إلى تحرير الروابط الاقتصادية من إمكان إستخدامها سياسياً، نتيجة الضغوط الغربية المعروفة، من خلال إيجاد بدائل للأسواق الغربية.

يتضح من خلال هذا العرض، أن طهران التي تخضع لعقوبات غربية، أدت إلى جانب عقود من سوء الادارة إلى إنخفاض عملتها الوطنية إلى مستويات متدنية، تحاول تعويم إقتصادها وعملتها، من خلال الامساك بكل المقدرات الاقتصادية في سوريا، ثمناً لدعمها العسكري للنظام السوري، ومنع سقوطه، في حين أن الأسد، لم يتأخر في بيع سوريا لايران إقتصادياً، بعدما كان باعها عسكرياً وسياسياً، لقاء بقائه في السلطة، ما يؤكد أن التفاهمات والاتفاقات التي أبرمت بين البلدين ما هي إلا إمعان في الهيمنة الايرانية على سوريا، في إطار المشروع التوسعي الهادف الى السيطرة على دول المنطقة، تكريساً للهلال الفارسي!

شارك المقال