قمة جدة وتحديات الرؤية المستقبلية الموحدة

زياد سامي عيتاني

تستضيف المملكة العربية السعودية في جدة يوم غد الجمعة القمة العربية العادية في دورتها الـ32، بمشاركة قادة الدول العربية ورؤساء الوفود، وذلك إمتداداً لدور المملكة القيادي وحرص قيادتها على تعزيز التواصل مع قيادات الدول العربية والتباحث المستمر وتنسيق المواقف حيال الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، خصوصاً وأن المملكة حريصة على الأمن القومي العربي، وتسعى إلى خروج الدول العربية من أزماتها، بحيث أنها من خلال “ديبلوماسيتها الجديدة” فتحت الباب لتقديم رؤية عربية مختلفة عما كان سائداً.

وأهمية القمة تكمن في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة والعالم من أزمات وصراعات إقليمية ودولية، تحتم على الدول العربية إيجاد آليات تستطيع من خلالها مواجهة التحديات، وتعزز الأمن والاستقرار الاقليميين، وتحقق الرفاه لدولها وشعوبها.

فالرياض تعمل على مشروع ديبلوماسي يقوم على “الانفتاح على الجميع، وتصفير المشكلات، وإعادة هيكلة المنطقة”، إستعداداً “للتعاون الاقتصادي والأمني”، تزامناً مع إنكبابها على “مشروع اقتصادي ضخم يحتاج إلى تثبيت دعائم الاستقرار في المنطقة، وغطاء أمني، وتعاون مع الجميع”.

إن النشاط الديبلوماسي المكثف الذي لعبته المملكة يُعد دلالة واضحة على المكانة المرموقة التي تحظى بها إقليمياً ودولياً، وشاهداً على المصداقية التي تنالها في المحافل العالمية، باعتبار أنها شريك إستراتيجي مهم لكل الدول، وعنصر أساس في أية معادلة إقليمية أو دولية تهدف إلى إستتباب الأمن وإرساء دعائم الإستقرار.

كذلك، تكمن أهمية القمة في كونها تعقد لمناقشة مستجدات الأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم، ودعم قيادة المملكة للجهود الرامية إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، ومن ذلك الاتفاق الذي وقعته المملكة مع إيران لاستئناف العلاقات بين البلدين، إضافة إلى الجهود والمبادرات القائمة لايجاد حل سياسي شامل للأزمات في السودان وسوريا واليمن.

لا أحد يختلف على أن العالم العربي مرّ بتجارب صعبة خلال نصف القرن الأخير، من إحتلال للأراضي وعدم الاستقرار والضغوط والاستغلال الأجنبي وغير ذلك، والطريق لا يزال طويلاً لتحقيق الأهداف والتطلعات المنشودة التي تتطلب سياسات حكيمة وإدارة رشيدة من الجميع، ونتطلع إلى الاستقرار السياسي في الجزائر وتونس وفلسطين ولبنان والعراق، وكذلك وقف المعارك والوصول إلى توافق مجتمعي سياسي في ليبيا واليمن، كما أن على الدول العربية واسعة التأثير، وعلى رأسها السعودية ومصر، تعزيز تنشيط أدوارها الاقليمية وتطويرها في ظل التحديات الجسيمة التي يتعرض لها العالم.

على الرغم من هذا الواقع، يرى بعض المحللين أن ثمة مؤشرات إيجابية، يمكن التعويل عليها، ومن أهمها أن الدول العربية أصبحت أكثر يقيناً بأن عليها أخذ زمام المبادرة في التعامل مع القضايا الوطنية والاقليمية لتأمين توازن أفضل في أوضاعها الداخلية، ولتحديث الرؤى وبناء أمل حقيقي لمستقبل أفضل.

وهناك أيضاً تنوع وتوسع وتطوير في العلاقات العربية الدولية بانفتاح واضح على الصين، وخصوصاً من السعودية والامارات، الأقرب تقليدياً في الماضي إلى الغرب، وكذلك بالنسبة إلى مصر وعدد من دول المغرب العربي، ويتم ضبط العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة والغرب وموازنتها.

والدول العربية مطالبة ببلورة رؤيتها في الأمور الأمنية الاقليمية المستقبلية، وهو أمر أصبح أكثر أهمية وعجالة في ضوء أن الدول الاقليمية ستتحمل مزيداً من المسؤولية في ضمان أمنها مع انكماش الغطاء الأمني للدول الكبرى بعد أن تحول من ضمان أمني له صدقية إلى غطاء أمني غير واضح، ويقتصر على التهديدات الوجودية بحسب الحال والتقدير الأميركي لما هو لازم.

ومن أبرز القضايا ذات الأهمية التي ستناقشها القمة:

– القضية الفلسطينية:

كبح جماح التطرف الاسرائيلي بقتل الفلسطينيين وهدم منازلهم بغية تهجيرهم، وإباحة تعرض المستوطنين للمسجد الأقصى وقيام القوات الاسرائيلية بتدنيسه،. وعلى القمة اتخاذ موقف قوي في هذا الصدد للتأكيد على الرفض العربي والاسلامي لهذه الممارسات، وتحفيز المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ملموسة في هذا الشأن.

ولا بد أيضاً من تجديد المطالبة بتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.

– حل الأزمة السورية:

وباعتبار أن للمملكة دوراً محورياً في دعم الجهود الرامية الى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية ينهي تداعياتها كافة ويحافظ على وحدتها وأمنها واستقرارها، ويعيدها إلى محيطها العربي، أثمرت هذه الجهود في زيادة الوعي بأهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية الى إنهاء الأزمة في سوريا، بحيث تبنى وزراء الخارجية العرب قرار عودة سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية، بعد غياب دام 12 عاماً، كما قررت المملكة استئناف عمل بعثتها الديبلوماسية في الجمهورية العربية السورية.

ومن شأن عودة سوريا الى محيطها العربي، الاسراع في إنهاء الأزمة في الداخل السوري، والاسهام في عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وتعزيز الجهود القائمة لمكافحة الارهاب والقضاء على التنظيمات الارهابية المهددة لأمن سوريا وللدول العربية ووقف عمليات تهريب المخدرات والاتجار بها، وتمكين مؤسسات الدولة من الحفاظ على سيادتها على أراضيها وإنهاء التدخلات الخارجية.

– الأزمة السودانية:

مطلوب من القمة أن تبذل كل الجهود اللازمة لحل كل الأزمات العربية وعلى رأسها أزمة السودان، حيث استجابت للطلبات المقدمة من الدول الشقيقة والصديقة لإجلاء رعاياها في جمهورية السودان ونفذت علميات إجلاء بحري وجوي لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، واستضافت مباحثات بين طرفي الصراع في البلاد بتنسيق مشترك مع الولايات المتحدة الأميركية لتثبيت وقف النار.

ختاماً، من الضرورة بمكان أن تطلق القمة رؤية عربية مستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط، تنطلق من خلالها الدول العربية في حوارات مع جيراننا في المنطقة أو على المستوى العالمي، فإنشغال العالم وقلقه من إطلاق حرب عالمية باردة جديدة يحمّل دول كل المنطقة مسؤولية ضبط أمورها، كما أنها فرصة لتكون للعرب اليد العليا في تشكيل مستقبلهم، وهو جهد يتطلب تكاتف الأشقاء العرب بثقلهم وقوتهم وثرائهم جنباً إلى جنب مع الدول غير المستقرة أو الضعيفة أو الفقيرة.

شارك المقال