لبنان على هامش القمة!

زياد سامي عيتاني

منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، وتزامن ذلك مع إنعقاد أول قمة عربية في مصر، ولبنان يحتل حيزاً مهماً وبنداً أساسياً في القمم العربية المتتالية والمتعاقبة، بحيث لم يكن لبنان يوماً خارج إطار الاهتمام العربي، بسبب أزماته المفتوحة بكل تشعباتها وتعقيداتها.

ومع إندلاع الحرب اللبنانية لم يعد لبنان يغيب عن القمم العربية، بعدما تحول الى ساحة للصراعات الدولية والاقليمية، زادت من تأجيج جولات العنف والحروب بين اللبنانيين المنقسمين على أنفسهم، وما بين المحاور ذات التأثير المباشر على الداخل اللبناني.

كانت بداية القمم العربية التي تناولت الوضع في لبنان في تشرين الأول من العام 1975، وذلك بدعوة من السعودية، عقدت في الرياض. ووضعت خريطة طريق لوقف الاقتتال في لبنان، لم تسلك طريقها إلى التنفيذ إلا من خلال تأليف قوات ردع عربية، عمادها القوات السورية.

القمة التالية إنعقدت في القاهرة يومي 25 و26 أيلول 1976، وتم فيها التصديق بالإجماع على قرارات قمة الرياض، باستثناء العراق، الذي برّر رفض الوجود العسكري السوري في لبنان. في قمة بغداد عام 1978، لم يخلُ البيان الختامي من التشديد على وحدة لبنان وسلامة أراضيه ووقف الاقتتال.

وقمة تونس عام 1979 أدانت بشدة الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان، وأكدت مجدداً على قرارات قمّتي الرياض والقاهرة في شأن الأزمة اللبنانية، داعية إلى الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على جنوب لبنان.

أما قمّة عمان 1980، التي شاركت فيها 15 دولة عربية، فشددت أيضاً على وحدة أراضي لبنان وسلامتها. كذلك، فإن قمّة فاس الثانية 1982 أدان بيانها الختامي العدوان الاسرائيلي على الشعبين اللبناني والفلسطيني، جراء إجتياح إسرائيل للبنان.

عاد الاهتمام العربي بلبنان إلى الواجهة في قمة الدار البيضاء 1985، حيث بحثت بعمق في حصار حركة “أمل” للمخيمات الفلسطينية.

في قمة عمان 1987، وقمة الجزائر 1988، شدد بيانهما الختامي على وحدة لبنان ومؤسساته ووقف الاقتتال.

أما في قمة الدار البيضاء عام 1989 فتألفت لجنة لحل الأزمة اللبنانية، على الرغم من غياب ممثل لبنان عن القمة بسبب صراعاته الداخلية على السلطة. وأنتجت اللجنة إتفاق “الطائف” الذي أوقف الاقتتال العسكري، وأوكل إلى سوريا رعايته حتى خروج جيشها من لبنان ربيع عام 2005.

قمة بغداد 1990 التي قاطعها لبنان إنسجاماً مع الموقف السوري (!) طالب فيها العرب بإنشاء صندوق دولي لاعادة إعمار لبنان لم يبصر النور.

وعند إستضافة لبنان قمة بيروت 2002، خلصت إلى دعم لبنان في إستعادة الأجزاء الباقية من أراضيه، بالاضافة إلى الدعم المالي لاعادة إعمار الجنوب اللبناني الذي تهدم بسبب العدوان الاسرائيلي.

قمة الجزائر 2005 تناولت إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان.

قمّة الخرطوم سنة 2006، أكدت في بيانها الختامي التضامن مع لبنان وحرص العرب على دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني وحقه السيادي في ممارسة خياراته السياسية ضمن الأصول والمؤسسات الدستورية، مع الأخذ في الاعتبار حقه في إقامة علاقات مع الدول الشقيقة والصديقة على أساس الاحترام المتبادل والمساواة. وأكدت دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني. كذلك، شددت القمة على أن كشف حقيقة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يُسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في لبنان.

بدورها قمة الرياض 2007، بعد تحيتها للمقاومة، أكدت تضامن العرب مع لبنان وتوفير الدعم السياسي له بما يحفظ الوحدة الوطنية وسيادته على كامل أراضيه.

على الرغم من كل الاهتمام الذي أولته الدول العربية وقممها للبنان على مر أزماته، فإنه سيكون الغائب الأكبر عن قمة جدة، جراء ما بلغته علاقات لبنان من تدهور غير مسبوق مع الدول العربية، بفعل المواقف العدائية التي صدرت تجاهها عن “حزب الله” ومن يدور في فلكه بغطاء رسمي خلال عهد ميشال عون، جعلت غالبية العرب تضع لبنان خارج إهتماماتها و”أجندتها”، وفاقم من إبتعاد العرب عن لبنان، وإمعان القوى السياسية المهيمنة في خلافاتها على ما تبقى من سلطة، وعجزها عن إنتخاب رئيس للجمهورية، ما قوّض الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، وزج بلبنان في الإنهيار الكبير.

شارك المقال