جرائد لبنان الصامدة… من يشتريها؟

حسين زياد منصور

لم تعد بيروت ومقاهيها كما كانت، لم تعد تضج بالمثقفين والشعراء وقادة الرأي والفكر، هذا ما يقوله رجل تجاوز الثمانين، جالس على أحد مقاعد عين المريسة متأملاً البحر وهو يطالع الصحيفة، ممسكاً طرفيها “بخبرة”، و”يفلفش” و”يفلّي” صفحاتها كلها، من ألفها الى يائها، بجانبه فنجان من القهوة، ويؤكد أنه على هذه الحالة يومياً منذ سنوات كثيرة.

هذا المشهد لم نعد نراه الا نادراً جداً، من يشتري الجريدة اليوم، مهما كان توجهها، بعد كل هذا التطور في وسائل التواصل؟ أصبح كل شيء متوافراً عبر الانترنت… كل شيء.

كانت شوارع بيروت، وخصوصاً شارع الحمراء وزواريبه، تضج ببائعي الصحف والمقاهي التي لا تخلو من المثقفين والطلاب والشعراء والصحافيين والكتاب وهم يقرأون الصحف والجرائد، الا أن هذه الظاهرة اختفت، حتى تلك الحركة للمارة عند أكشاك بيع الصحف، حيث يقفون ويدققون في العناوين، أو يمشي البعض منهم ويضع الجريدة تحط ابطه متجهاً الى عمله أو المنزل أو المقهى، نفتقدها اليوم.

من يبيع الجرائد والصحف والمجلات اليوم أصبح عدده قليلاً، ونادراً ما نصادف من يشتريها ويحملها. يقول أحد أصحاب المكتبات التي لا تزال تعرض الجرائد والصحف، لـ”لبنان الكبير”: “ان بيعها أصبح ضعيفاً جداً وقليلاً، ونبيع ما يقارب الـ 20 صحيفة يومياً فقط، خصوصاً بعد رفع أسعارها مع العلم أنها لا تزال رخيصة، ومن يشتريها كل يوم هم الأشخاص أنفسهم، من الكبار في السن، يأخدونها معهم الى منزلهم أو يستمتعون بقراءاتها في مواجهة البحر”.

وعن أسعار الصحف، يوضح أنها جميعها تباع بالسعر نفسه 20 ألف ليرة لبنانية فقط، أي ما يساوي 20 سنتاً تقريباً، اما صحيفة “النهار” فسعرها 50 ألفاً، ما يقارب النصف دولار أي 50 سنتاً، في حين تباع صحيفة “الشرق الأوسط” بـ 15 ألفاً، معرباً عن أسفه للوضع الذي وصلنا اليه.

وبعد رفع أسعار الصحف الورقية، أثر ذلك على حركة بيعها وشرائها، ويتساءل الكثيرون بطريقة استهزائية إن كان هناك من لا يزال يشتريها في ظل سهولة الوصول اليها عبر الانترنت، معتبرين أن من يشتريها يميز نفسه في ظل ارتفاع سعرها، فهي نوع من الترف.

هكذا كان رد البعض ممن سألناهم عن شراء الصحف والمجلات، وأشاروا الى أنهم لم يشتروا الصحف منذ سنوات، حتى قبل رفع أسعارها واغلاق بعضها، أي منذ ما قبل تفجر الأزمة الاقتصادية عام 2019، ويعود ذلك الى التراجع في ضخ المال السياسي، وتراجع الاعلانات، فأزمة الصحف اللبنانية المالية ليست مستجدة، اذ توقفت “السفير” في 2016 عن الصدور، تلتها “الأنوار” أواخر العام 2018، و”المستقبل” في 2019، وفي 2020 علقت صحيفة “ديلي ستار” اصدار نسختها المطبوعة.

تجدر الاشارة الى أن الصحافة اللبنانية لطالما لعبت دوراً مهماً في ريادة المنطقة منذ عهد العثمانيين والفرنسيين وصولاً الى حقبة الاستقلال، حتى خلال الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية بعد ذلك وأثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

ويرى بعض الكبار في السن أن تراجع دور الصحف وحركة بيعها الى جانب المشكلات الاقتصادية يعود الى غياب الكتّاب الذين اشتهرت بهم الصحافة اللبنانية من جهة، وأنها لم تعد بالمستوى الذي كانت عليه قبل سنوات مضت من جهة أخرى.

شارك المقال