الحاكم الى منزله بعد انتهاء ولايته معززاً مكرماً

ليندا مشلب
ليندا مشلب

أعطى اللقاء التشاوري الذي تداعى اليه الوزراء، كل الوزراء الى السراي الحكومي في جلسة أقل ما يقال فيها انها جلسة لمجلس الوزراء ولكن من دون جدول أعمال رسمي وعلى الكنبة بدل الطاولة، الانطباع بأن قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هي قضية تقرر فيها الحكومة وللدولة كلمة فيها… لكن الواقع أن الرجل الذي عاش حكمه محمياً من أعلى سلطة نقدية عالمية وفي قلب هالة داخلية حمته من عواصف الاتهامات بالارتكابات، سيبقى كذلك حتى آخر نفس له على كرسيه المذهب في مكتبه داخل المصرف المركزي الى أواخر تموز، لينتقل بعدها الى منزله أو منازله معززاً مكرماً محمياً.

“الأموال تفعل المعجزات” يقول مصدر حكومي لـ “لبنان الكبير”، و”راحت عالبلد وعالشعب”. ويستخف المصدر بكثرة الشعارات والوعود بكشف المستور واسترداد المنهوب، سائلاً: من سيقوم بهذا الدور؟ نحن لا زلنا نخضع لقصاص التهميش واللامبالاة ومتروكون لادارة أنفسنا بأنفسنا وهي أصعب مهمة لم نعتد عليها. ويكشف أن اسم لبنان لم يكن موجوداً في اعلان جدة لولا طلب البعثة اللبنانية من الأمانة العامة للجامعة العربية إدخال سطرين عنه تمت صياغتهما من فريق رئيس الحكومة تخفيفاً من وقع الصدمة والا لم يكن أحد ليلتفت الينا.

اذاً، سيتمتع حاكم “المركزي” بحصانة تامة طوال ٦٥ يوماً، تاريخ انتهاء ولايته في ٣١ تموز وحتى ما بعد هذا التاريخ، اذ لا يمكن اقالته لأن شروط الاقالة غير متوافرة. وحسناً تعذرت هذه الشروط لأن لا أحد في وارد الاقدام على هذه الخطوة، كما أن الاستقالة غير واردة، هذا ما خلص اليه اللقاء التشاوري الذي، وبحسب معلومات “لبنان الكبير”، بدأ بمناقشة ملف النزوح السوري بحيث تقرر تحديد جلسة خاصة له يدعو الرئيس نجيب ميقاتي كل أطياف الحكومة لحضورها والمشاركة في اتخاذ القرارات في موضوع على هذه الدرجة العالية من الأهمية والحساسية (سيكون موقف الوزراء المقاطعين محرجاً جداً خصوصاً أن “التيار الحر” يقدم نفسه دائماً على أنه أم الصبي في هذا الملف) وقد أبلغ ميقاتي الحضور أن من جملة القرارات التي ستتخذ تشكيل وفد حكومي رسمي للذهاب الى دمشق واجراء مباحثات فيها مع المسؤولين السوريين لوضع خطة مشتركة والتعاون في ايجاد حلول.

ثم انتقل البحث الى اشكالية سلامة، وكان النقاش هادئاً جداً افتتحه ميقاتي بطلب سماع الآراء حول هذه القضية، فكان أول المتكلمين نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي طلب اقالته اذا لم يقدم استقالته طوعياً، وأصر على هذا الطلب. فطلب سماع رأي وزير العدل هنري خوري ووزير المالية يوسف خليل حول تداعيات الاقالة. وسئل خليل: هل صحيح أن البنوك المراسلة تتأثر بصورة مباشرة ويمكن أن تقاطع لبنان؟ فأجاب: غير صحيح.

علق وزير الثقافة محمد وسام المرتضى بالقول: جيد لن تقاطعنا، لكن هذا لا يعني أننا لسنا في وضع استثنائي، الحاكم ملاحق وصدرت بحقه نشرة حمراء وممنوع عليه السفر واشكاليات كبيرة حوله الى حد توصيفها بالسابقة، فيا معالي وزير العدل ما هو الرأي القانوني وما هي خياراتنا وامكاناتنا كحكومة؟ فقدم خوري مطالعة مطولة رأى معظم الوزراء أنها غير مفيدة ويمكن تلخيصها واختصارها بكلمتين: هل نستطيع اقالته؟ أجاب : لا. سئل: لماذا؟ أجاب: لأن الشروط القانونية واضحة ولا تسمح بإقالته. اذاً من يبت بوضعه؟ كل الوزراء اتفقوا على أن القضاء هو المرجعية الصالحة ومن بينهم وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار الذي قال: “مش محرزة نشيله كان لازم نشيله من قبل”، ووزير العدل الذي ضرب لاحقاً أخماساً بأسداس عند تحضير بيان اللقاء الذي أجمع على ترك الملف للقضاء، من هنا أتى بيانه الذي أصدره في وقت لاحق ليبرر هذا الموقف، خصوصاً اذا عجز القضاء عن البت بقضية سلامة فوزير العدل يدرك أن السهام ستوجه اليه.

ولفتت مداخلة وزير البيئة ناصر ياسين الذي قال: لا بد من اقالته ولا يجوز أن يستمر وعلينا التطلع الى مصلحة الحاكمية. ورأى أحد زملائه أن موقفه متفق عليه مع رئيس الحكومة للتنصل من تهمة حمايته. والخلاصة: لا يزال أمام الحاكم ٤٥ يوم عمل والحكومة لا تستطيع اقالته وعليها انتظار حكم القضاء… انتهى. ورفعت الجلسة، لكن الشامي لم يقتنع وبدا غاضباً جداً وفسر موقفه على خلفيتين: الأولى أنه يعمل مع صندوق النقد وسلامة لا يريد الصندوق وعمل كل ما هو ضد السير معه. والثانية أن هناك حادثة شخصية بينه وبين الحاكم ومرافقيه الذين تعرضوا له في السابق.

النهاية التي توصل اليها اللقاء التشاوري ستكون أيضاً مسار نهاية الحاكم الذي ستبقى قضيته هكذا وتتلاشى مع الأيام مثلها مثل العديد من القضايا المشابهة، فلا خاتمة مأساوية ولا تدحرج ولا من يحزنون والقضاء الفرنسي هدفه الأموال وسيحصل عليها.

قصة الحاكم خلصت والعين على امكان إحداث خرق في الاستحقاق الرئاسي قبل نهاية تموز، واذا تعذر هذا الأمر فإن لبنان سيبدأ حلقة جديدة من مسلسل “متروكون لقدرنا”.

شارك المقال