بولا يعقوبيان، شاءت أن تأخذ من “فرديتها” و”ذاتيّتها” نهجاً وسلوكاً تطبيقياً لأنانيّتها، إرضاءً لغرورها وزهوها وإشباعاً لجوعها “التسلطي”، فتفنّنت في إثارة الجدل و”الشعبوية”، محوّلة الساحة السياسية إلى مسرح للسجال السطحي (!) وموظّفة خبرتها الاحترافية في “الماركتنغ” الاعلامي وصناعة “البروفايل” للسياسيين وعاملين في الشأن العام.
كما عمدت إلى الانفراد بممارسة “النسوية” المفرطة بذكورية مطلقة، فجارت على حقيقة المرأة، وشوّهتها بالاحتراب والعبودية والاحتكار، متشحة بالزيف والتشويه والإفك والاختلاق، وتستحضر ما كتبته هيلين سيسو في كتابها “ضحكة ميدوسا” الذي تغالي فيه كثيراً كقولها: “إن المرأة عندما تكتب عن نفسها فإنها تعود إلى الجسد الذي صودر منها”.
هذا ما دفعها بإصرار الى أن تُسمّى “نائبة”، وليس نائباً كما درجت العادة في المعجم السياسي والاعلامي، (بحجة أن النائبة تعني المصيبة). طبعاً كان هدفه السعي إلى تكريس حقّ المرأة بصفة تخصّها بعيداً عن السلطة الذكورية!
مسيرتها حافلة بالمتناقضات والمتضادات، من دون أن تتمكن من إبرام تسوية مع نفسها، فانتقلت من بلاط الاعلام “الموجّه” ودعاياتها لمن كانت تروّج لهم (عملت في تونس داخل الادارة الاعلامية الرسمية في عهد الرئيس زين العابدين بن علي سعياً إلى تبييض صفحته)، إلى أن حطت في “متروبولية” المجتمع المدني، فانتفضت على كلّ محطاتها السالفة، بأسلوب مثير (تجيده بكفاءة)، بحيث لم توفر أحداً من معاركها (التي هي من جانب واحد)، لمحو كلّ ما هو راسخ عنها في ذاكرة اللبنانيين و”غير اللبنانيين” من ارتهان وارتباط سياسي ومالي، و”غيرهما” لتظهر نفسها “ثائرة” على كلّ أشكال الحياة السياسية وأنماطها، متحرّرة من كلّ القيود المجتمعية، بعيداً عن أيّ إلتزام حزبي أو جماعي أو طائفي، في محاولة ترويجية تسويقية لنفسها، بتحرّرها من أيّ قيود، بما في ذلك “أرمنيّتها”، التي تعتبر إنتماءها اليها بحكم الوراثة العائلية، على الرغم من أنّ ترشّحها هو عن أحد المقاعد الأرمنية (!) مبتدعة لتبرير ذلك نظرية “أرمنيّتها لا تنفصل البتة عن إنتمائها اللبناني”، و”أنها أرمنية بمقدار ما هي لبنانية”، لتعود وتؤكد في موقف معاكس “أنها علمانية، تنتمي إلى المجتمع المدني”.
فقد لحقت بركب “المجتمع المدني” في الوقت المناسب، مستفيدة من خروج الشعب اللبناني ساخطاً ومحتجاً على ما آلت إليه الأوضاع من إنهيار وإهتراء، مستثمرة وجع الناس، وأقرنت إنخراطها فيه بحملة “دفى” التي أطلقتها عام 2013، وهدفت من خلالها إلى جمع التبرعات، وتقديم المساعدات الطبية والغذائية للأسر الفقيرة، إعتبرت حينها “رشوة إنتخابية” مقنعة!
بعدها، ترشّحت للانتخابات النيابية عبر حزب “سبعة”، الذي تحوم حوله علامات إستفهام كثيرة من حيث أجندته السياسية وتمويله، (لفت الأنظار بتنظيمه وفاعليته وبوفرته المالية)، بحيث استطاع إيصالها إلى المقعد النيابي، رافداً الموارد الخاصة لمرشحته وحيويتها على الأرض.
وإستكمالاً لانقلاباتها على نفسها، وإرضاءً لـ “الأنا” المتعاظمة في داخلها، ما لبثت أن تخفّفت من الرابط مع حزب “سبعة”، دلالة وتحصيناً لمقولة الاستقلالية.
ولتأكيد تحرّرها وإستقلاليتها، وطبعاً “فرديتها”، عمدت بذكائها وخبرتها الاعلامية إلى إتباع خطاب وطني ومواطني (مفتعل)، لا يخلو من مهاراتها الاستعراضية، التي تخفي حالاً من “البروباغندا” وحب الظهور، لتعبّر فيه عن معاناة المواطنين الذين تعتبرهم ضحايا الفساد والمحاصصة الطائفية والحزبية.
وهذا ما جعلها تعتمد “الشعبوية” ظهراً لاطلالتها سواء عبر الاعلام، أو تحت قبة البرلمان، جاعلة منها ثوباً دافئاً، كأنه من مخلفات حملتها الدعائية “دفى”. وقد استهلت مشهدها “الشعبوي” حين وصلت إلى ساحة النجمة على متن دراجة “فيسبا”، تعبيراً عن رفضها لاقفال الطرق وتعاطفاً مع المواطنين العالقين في إزدحام السير، وخروجاً من براثن التنميط، كإستعراض للاستهلاك في “السوشال ميديا” التي تُحسن إستخدامها.
وإمعاناً في ممارستها “الشعبوية” المصطنعة، وصل بها الأمر خلال مشاركتها في أحد برامج “التوك شو” السياسي الى “ألّا يصفق لها كلما تحدثت عن مشكلة أو اعترضت على موقف أو فضحت سراً”. ففي قناعتها أن التصفيق يجب أن يقتصر على ما يتحقق من أهداف أو ما يُنجز من أفعال.
وزيادة في “الشعبوية”، راحت تتبنى إثارة الملفات الفضائحية التي تشمل قضايا الناس منها: الكهرباء والنفايات والماء والتلوث، عطفاً على الفساد في القضاء والوزارات وقضية التوظيف الحزبي والطائفي والمذهبي والمحاصصة والعمولات، حتى وصل بها الأمر الى اعلان تقديمها إقتراح قانون لإلغاء مخصصات الرؤساء والنواب السابقين، وآخر لخفض رواتب ومخصصات الحاليين إضافة إلى حسم 5% من الراتب لكل متغيب عن الجلسات من دون عذر.
لا شكّ في أنّ المنهج النيابي الذي اختارته بولا يعقوبيان ينمّ عن حنكة وذكاء وثقافة سياسية، بحيث عرفت كيف تستفيد إلى أقصى الحدود من تراكمات تجربتها الاعلامية، التي وضعت بين يديها (خلال الاعداد للمقابلات) وثائق وشواهد وأرقام وملفات (تتسلّح بها الآن)، في معاركها الصوتيّة وقنابلها الدخانية!
كذلك، فإنّ تجربتها الاعلامية منحتها أيضاً علاقات وأبواباً مفتوحة، إضافة إلى الاطلاع على كواليس النادي السياسي الحاكم من داخله، خصوصاً عندما نجحت في تبديد سريع لصورتها مقترنةً بتلفزيون “المستقبل”، (وهي كانت من أبرز وجوه قناة “المستقبل” التابعة له قبل أن تستقيل منها على الهواء مباشرة عام 2018)، لا سيما مقابلتها الأخيرة مع الرئيس سعد الحريري في السعودية، وكانت الصحافية الأولى التي زارته في الرياض وأجرت معه مقابلة شهيرة، كان لها أثرها في الساحة اللبنانية والعربية، وغدت بمثابة ردّ على كلّ الأسئلة التي طرحت بإلحاح حينذاك، خصوصاً أنّها وباعترافها (قبل الانقلاب عليه) كان بالنسبة اليها بمثابة صديق ومرجع.
كل هذه الحركات الاستعراضية، بكلّ تقلباتها وتموجاتها، وإنقلابها على ماضيها، وركوبها “موجة الثورة”، النابعة من “الأنا الانفرادية” لـ “النائبة” (بالمعنى اللغوي)، سعت من خلالها الى أن تقود بفوقيتها وتبجّحها النواب “التغييريين”، فارضة سلطتها وسطوتها عليهم، بذريعة ما تتمتع به من خبرة وباع طويل في الشأن السياسي، بحكم مسيرتها الاعلامية.
وعلى الرغم من أن أياً من نواب “التغيير” لم يفوّضها تولي قيادتهم، فإنها ما فوّتت فرصة ولا مناسبة إلا وفرضت نفسها عنوة عليهم، ناطقة بإسمهم، والإيحاء بقيادتها لهم، وفقاً لأهوائها و”أجندتها” الملتبسة حتى للتغييريين أنفسهم، مغتصبة بذلك، بكلّ ما تتمتع به من مزايا “نسوية” سلطة تنسبها اليها، مستخدمة أدوات التسويق السياسي الترويجي لدورها المزعوم.
وهذا التمادي الذي تمارسه بولا في فرض سطوتها المتعجرفة على من يفترض أن يكونوا زملاء لها وفي “خندق” واحد، أحدث حالة عارمة من الامتعاض والاستياء في صفوفهم، لرفضهم إملاءاتها عليهم، اذ كانت تشعرهم بأنهم “قاصرون” و”حديثو النعمة الساسية”، ولم يبلغوا سن الرشد السياسي بعد، فهي “لم تترك لها صاحب” مع أي من نواب “التغيير، الذين يتهمونها بـ”سرقة صوت المعارضة”، على الرغم من معرفتهم بعلاقاتها المريبة مع شخصيات وجهات سياسية محلية وخارجية!
ومن آخر الأمثلة على ذلك، يوم قرّر النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا بدء الاعتصام السلمي في مجلس النواب، احتارت بولا كيف تسرق الضوء، إن من خلال إثارة مسألة الكهرباء وتأمين مولد، أو من بوابة الطعام وما سيحتاجانه خلال إقامتهما، وصولاً إلى الانضمام إليهما لساعات قليلة، مليئة بالصور والفيديوهات التي سرّبتها الى الاعلام، ليس لتغطية إعتصام خلف وصليبا، بل لـ”قطف” الحدث، جرياً على عادتها.
وعندما فشلت كلّ محاولاتها في فرض “زعامتها”، لجأت إلى سياسة “فرق تسد”، من خلال محاولتها نسج علاقات بـ “المفرق” مع النواب التغييريين ونواب المعارضة، ما تسبب بزيادة الانشقاق والتصدع داخل صفوفهم، في وقت هم عاجزون عن التلاقي حول موقف موحد إزاء كل القضايا المطروحة.
سنة كاملة مضت على “نائبة” بولا يعقوبيان… ملأى بأضواء “الكاميرات” وغزارة الصور على “السوشال ميديا” ومعارك “طواحين الهواء”، ملأت بها الفراغ البرلماني بضجيجها الاعلامي الملوث للسمع وللبصر.