فؤاد مخزومي “نائب الأنابيب”… أسير عقدة رفيق الحريري

زياد سامي عيتاني

راهن فؤاد مخزومي كثيراً على انتخابات 2022، بأن تكون بالنسبة اليه “فرصة العمر” التي لن تتكرّر لكي يتوّج نفسه زعيماً أحاديّاً على بيروت، فالرئيس سعد الحريري أعلن تجميد عمله السياسي والعزوف عن الانتخابات النيابية.

إذاً، الساحة باتت خالية ومشرّعة أمام طموحات مخزومي، التي بقيت دفينة في فكره منذ الهزيمة المذلّة التي مني بها عام 2000، والتي بدلاً من أن تدفعه الى إجراء مراجعة ذاتية ونقد موضوعي لكلّ ما أحاط به نفسه من هالة كاذبة، حتى ظنّ أنه ظاهرة، ازداد حقداً وغروراً، خصوصاً عندما استخدمه جبران باسيل كمرشح حتمي لرئاسة الحكومة، كلما توترت العلاقة بين رئيس العهد “الجهنمي” ميشال عون والرئيس سعد الحريري، حين كان يرأس الحكومة، أو يكلّف بتشكيلها، جراء العراقيل التي كانت توضع أمامه لدفعه إلى الاعتذار.

عندما شعر أنّ النصر المبين يلوح أمامه في الأفق، أعدّ العدّة لمعركته الانتخابية، كي يكتسح بيروت، ويرأس أكبر كتلة نيابية فيها، تمهّد الطريق أمامه، للوصول إلى السراي الحكومي، خصوصاً وأنّه كان يعتبر أن لا منافس جديّ في مواجهته، من دون أن يعير أيّ إهتمام لتغير المزاج الشعبي بعد “ثورة تشرين”، وتفجير مرفأ بيروت!

جلّ ما أحدثه من تغيير هذه المرة، هو تصويب خطابه الانتخابي في مواجهة سلاح “حزب الله”، بعدما اقتنع بأنّ من غير المجدي استهداف سعد الحريري، لما يحتله من مكانة ثابتة وراسخة في ضمير البيروتيين ووجدانهم. فشكّل “ماكينته الانتخابية” واضعاً في تصرفها إمكانات مالية هائلة، وأطلق على حملته شعار “بيروت بدها قلب”! ما استفزّ البيروتيين، الذين شنّوا عليه حملة شعواء، أقلّ ما يقال فيها، إنها هشّمته، انطلاقاً من قناعتهم التي جدال فيها بأنّ “بيروت هي القلب”، فبدأ معركته خاسراً، قبل أن يطلقها.

بعد تشكيل لائحته، التي ضمّت بكلّ أمانة بعض المرشحين الذين يتمتعون بقدر كبير من الاحترام، راح خلال جولاته ولقاءاته يرفع الصوت عالياً في مهاجمة “حزب الله” وسلاحه، بعدما كان قبل موسم الانتخابات على علاقة طيبة معه، اعتقاداً منه أنّ ذلك سيدغدغ المشاعر البيروتية، ما يمنحه أصوات الناخبين البيارتة.

ووسط ضجيج خطاباته ذات السقف المرتفع، تمّ تسريب خبر عبر وسائل الاعلام عن لقاء ليلي جرى بينه وبين الشيخ نعيم قاسم، بعيداً عن الاعلام (!) كان هذا الخبر، على الرغم من نفيه من جانب واحد (مخزومي)، كافياً لكشف المستور، بأنّ خطابه الانتخابي الموجّه ضدّ الحزب لا يعدو كونه من “عدة الشغل”، بالتنسيق مع الحزب نفسه بشخص المكلف بالملف الانتخابي، أي الشيخ قاسم.

هنا لا بدّ من التذكير بأنّه في العام 2018، وبعد سنوات من الخيبة السياسية، ظنّ مخزومي الذي نقل بندقيته من كتف “عنجر” إلى كتف “حارة حريك”، أنّ القدر ابتسم له، وحقّق حلمه بالفوز المظفر بمقعد نيابي، متناسياً أنّ ذلك لم يكن ليحصل لولا الأصوات التفضيلية التي منحه إياها “حزب الله”. فكان خبر لقائه الشيخ قاسم “الدعسة الناقصة” الثانية، التي نالت المزيد من مصداقيته “المهزوزة”، والتي تنمّ عن مراهقة سياسية لم تنضجها السنوات العشرون المنصرمة من حياته.

لم يجد من سبيل أمامه لمحو آثار “الفاول” السياسي الثاني الذي يستوجب “البطاقة الحمراء”، سوى الايعاز بفتح خزنة “الفريش دولار” لتصحيح الخلل الذي اعترى حملته الانتخابية.

قيل حينها، إنّه رصد 20 مليون دولار لمعركته الانتخابية، أنفقت على “المفاتيح الانتخابية” ووجهاء العائلات والنافذين في مناطقهم وأوساطهم الشعبية، وعلى عدد من المخاتير، وكذلك على الآلاف المؤلفة ممن سُجّلت كمندوبين، وعلى من سجلوا سياراتهم لنقل الناخبين، إضافة إلى مستلزمات الانتخابات.

ومن أصل مبلغ الـ20 مليون دولار، رصد مخزومي 5 ملايين للاعلام والاعلان، تضمّنت إتفاقات مع قناتين تلفزيونيّتين على إطلالات إعلامية مع الاشتراط عليهما عدم استقبال أيّ مرشّح منافس في دائرة بيروت الثانية!

وهذا الانفاق لم يكن مقتصراً على تعزيز ظهوره الاعلامي، بل بات يستخدم لمنع المنافسين من الظهور على تلك القناتين. وهذا ما كشفه المرشح عن المقعد السني في دائرة بيروت الثانية، وضاح الصادق، أنّه حاول أن يطل عبر إحدى المحطات، لكنه أبلغ بأنه محظور عليها، حتى مقابل بدل مالي، كاشفاً أن مخزومي من دفع لها المال لمنع أي منافس له من أن يطل عبرها.

على الرغم من أنّ مخزومي استخدم كلّ أسلحته الثقيلة في معركته الانتخابية، (وهو خبير دولي بالأسلحة)، فإنّ النتيجة الصادمة بعد فرز الأصوات نزلت عليه كالصاعقة، في وقت كان يعدّ العدّة لتنظيم مهرجانات الفوز بزعامة بيروت، وإقترابه من “جنة” السراي الحكومي، فالـ11 ألفاً و346 صوتاً التي نالها عام 2018، انخفضت إلى 10 آلاف و21 صوتاً، واللائحة التي تزعّمها تمخضت فولدت 20 ألف صوت فقط.

جنّ جنونه ليلتها، وفقد أعصابه وصوابه، وإنهال بالشتائم على مسؤولي “ماكيناته”، حتى قيل إنّه نقل إلى أحد المستشفيات، بعدما ظهرت عليه عوارض أزمة قلبية، ليتأكد له، بأن ليس بيروت التي تحتاج إلى قلب، بل انّ قلبه متعب، ربما لما يختزن من حقد وغرور و”نفخة كذابة”.

وللملمة خيبته وهزيمته البيروتية، ولإرضاء غروره، الذي لم يتنازل عنه بفعل كلّ إخفاقاته وإنكساراته، ويقينه بأنّه مرفوض ومنبوذ بيروتياً، حاول مجدداً البحث عن مجد زعامة بيروت الذي لم يتمكن من نيله، ولكن هذه المرة من خلال إستقطاب النواب السنة لاقناعهم بضرورة تشكيل تكتل سني لتوحيد الموقف والقرار (ظاهرياً)، وفعلياً ليؤسس من خلاله لزعامته السنية!

فأكثر من ولائم العشاء التي كان يدعو اليها النواب السنة من مختلف الاتجاهات والمناطق، تمهيداً لعقد لقاء موسع يضمّ جميع النواب السنة، فيكون نواة للتكتل الذي يسعى إلى إنشائه.

وبالفعل دعا جميع النواب السنة لهذه الغاية إلى عشاء في منزله، ليفاجأ بتوالي الاعتذارات، ما دفعه الى دعوة نواب من غير السنة، لانقاذ الموقف، حفاظاً على ماء الوجه، خصوصاً وأنّ خبر الدعوة قد تناولها الاعلام، الأمر الذي جعل مكتبه الاعلامي يزوّد وسائل الاعلام بأن الهدف من اللقاء التأكيد مجدداً على المضي بدعم ترشيح ميشال معوض لرئاسة الجمهورية.

بعد هذه المسيرة الحافلة للنائب فؤاد مخزومي بالخيبات والانكسارات والهزائم السياسية والشعبية، عقب مرور عام على فوزه منفرداً بالمقعد النيابي، بعدما كانت حساباته تجزم بحصول لائحته على أربعة مقاعد… هل أدرك أنّ بيروت بما ترمز إليه وما تشكله من عاصمة للقرار الوطني اللبناني، لا يمكن التسلّل إليها عبر “الأنابيب”، ولا يمكن لأحد مهما امتلك من “السلاح” أن يفرض زعامته عليها، وأن ينتزعها عنوة من أهلها، بل انّ بيروت وأبناءها، هم من يصنعون الزعماء، ليس على صعيد العاصمة، بل على امتداد الوطن؟

شارك المقال