بعدما علق المرشحان للرئاسة سليمان فرنجية وجهاد أزعور في “شباك” حلبة “ملاكمة” ثنائي الثنائي (الشيعي والماروني)، حين باتا مرشحي “مواجهة” بين الطرفين، هل عادت أسهم قائد الجيش العماد جوزيف عون الى الارتفاع في البورصة الرئاسية؟
طرح هذا السؤال، ليس مرتبطاً بالزيارة التي قام بها السفير السعودي وليد بخاري الى العماد عون، والتي شاءت الصدف أن تتمكّن مخابرات الجيش بعدها ببضعة أيام من تحرير المواطن السعودي، الذي خطفته عصابة يقودها أحد “بارونات المخدرات” الملقب بـ “أبو سلة”، ما عزّز الثقة العربية، وتحديداً السعودية بالأمن اللبناني، الذي يشكّل الجيش ركيزته الأولى، (على الرغم من ذهاب البعض الى القول بأنها تمثيلية مدبّرة لتعزيز حظوظ قائد الجيش للرئاسة)!
كذلك، فإنّ هذا السؤال هو بمعزل عن قاعدة أنّ كلّ قائد للجيش يكاد يصبح بحكم “العرف” مرشحاً لرئاسة الجمهورية. إنما يبرّره فشل كلّ المبادرات الخارجية، (في ظل غياب المحلية) في التوصّل إلى شخصية يمكن أن تحظى بالنّصاب القانوني للهيئة العامة للمجلس النيابي، وبالتالي بالعدد المطلوب من أصوات النواب، خصوصاً وأنّ التركيبة الحالية للبرلمان لا تسمح لأيٍّ من الثنائيتين وحلفائهما من “ممانعة” و”معارضة” بإيصال مرشّح لا يتمتّع بتوافق واسع إلى سدة الرئاسة، إذ يحتاج انتخاب الرئيس إلى تأمين نصاب نيابي في البرلمان بأغلبية الثلثين، وانتخاب الرئيس في الدورة الأولى بأكثرية الثلثين. وهذا غير متوافر وغير ممكن في الفترة الراهنة، في ظل الأوضاع المأزومة.
إذاً، نحن أمام انسداد الأفق الرئاسي في ظل “تمترس” الثنائيتين وراء تصلّبهما، في طرح مرشحي مواجهة، على الرغم من أنّ البعض لا يرى أنّ الوزير السابق جهاد أزعور إستفزازي، إلّا أنّ إطلاق النار المبكّر عليه من أسلحة “حزب الله” الثقيلة، حتى قبل إتمام توافق المعارضة مع “التيار الوطني” عليه، وضعه بصورة فورية مرشح مواجهة في مقابل الدفع بسليمان فرنجية! الأمر الذي يزيد من تعقيد الواقع الرئاسي ويطيل أمد الفراغ، وسط الانهيار المتواصل للدولة، والضغوط الخارجية، ما يعني بقاء لبنان أسيراً للرهانات الدمّرة، التي سيتنامى بفعلها التدهور المالي والاقتصادي، وإرتفاع مستوى المعاناة، قبل معرفة المسار الذي ستسلكه البلاد.
لذلك، ربما يدفع هذا الواقع القوى الفاعلة والمؤثّرة في الملف الرئاسي، إذا ما اقتنعت أو فرض عليها الاقتناع (ضغطاً)، وفقاً لمصالحها المتصلة بالمتغيرات المتسارعة في المنطقة، المقرونة بمروحة الاتصالات الواسعة محلياً وفي عواعم القرار، بضرورة إنتخاب رئيس للبلاد، إلى اللجوء للخطة البديلة، التي تتمثّل في الاتفاق على رئيس توافقي، يحظى بإجماع أو “شبه” إجماع القوى المتناحرة.
صحيح أن المنطق العقلاني في ظل “الجنون” السياسي، يفترض بأن الشخصية التي ستملك الحظوظ الرئاسية الأوفر، (عندما تنضج التوافقات الخارجية) هي تلك التي ترقى فوق الخلافات والانقسامات، وتحظى بإحترام دولي، وهذه الخصائص حتى الآن تنطبق من بين كلّ الأسماء المتداولة على قائد الجيش، فهو يتولى قيادة المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تحظى بإحترام عابر للطوائف، ويعتبر بعيداً عن السياسات الحزبية، ويتمتّع على مستوى شخصي بتقدير خارجي.
لذلك، في حال نضجت ظروف تسوية، سيحضر بقوة مجدداً إسم جوزيف عون كقائد في لبنان، لا سيما وأنّ كثيرين يرون أنه “رئيس عاقل حكيم”، على الرغم من كونه قادماً من خلفية عسكرية.
وما يعزّز هذه الخصائص أنّ عون يبدي انفتاحاً على الجميع، مع تمسّكه في الوقت نفسه بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع، “مستنداً إلى معادلة أن ليس له عدو أو خصم في الداخل”.
وفي الوقت نفسه، فإنّ عون قد لا يشكّل إزعاجاً لـ “حزب الله” بعد سنوات من التنسيق معه، (بمعزل عن تبني الحزب فرنجية مرشحاً أحادياً للرئاسة).
مما لا شك فيه، وعلى الرغم من أن العماد جوزيف عون يتجنب الانخراط في السياسة، ويعتبر نفسه خارج “البازار” الرئاسي، مع أنّ أطيافها وأشباحها تلاحقه، فانّه وفي حال وقع الاختيار عليه، لن يكون الأمر سهلاً عليه، وسط التعقيدات اللبنانية، إزاء ما يحيط به من ملفات شائكة أمنية وسياسية ودستورية!
العماد عون لم يتناول هذا الملف في أيّ من تصريحاته أو لقاءاته، ويلفت المحيطون باليرزة، إلى أنّهم سمعوا من عون أنّه لم يبحث في مسألة الرئاسة، لا مواربة ولا مباشرة، مع أيّ شخصية داخلية أو ديبلوماسية، وأنّه خلال استقبالاته للسفراء لم يحصل أن ناقش هذا الأمر معهم أو ناقشوه معه.
لكن، في الأروقة السياسية، يبدو الأمر مختلفاً، إذ لا يزال يُطرح إسم العماد جوزيف عون شخصية محايدة وغير مسيّسة للرئاسة، ومن ضمن الخيارات غير الحزبية، خصوصاً أنّه في تجربته لم يراعِ القوى السياسية في التعيينات والمهمات. وهذا ما قد يكون عاملاً مساعداً، في مقابل من يراها معوّقاً، عملاً بالتجربة اللبنانية!
فهل تتركّز الاتصالات الداخلية والخارجية في القادم من الأيام على بلورة تسوية رئاسية، تعبّد الطريق أمام قائد الجيش جوزيف عون، ليسلكها من اليرزة إلى بعبدا أم أنّها تحتاج إلى كاسحة ألغام؟