تسارعت التطورات في الملف الرئاسي مؤخراً وكأن الجميع في سباق مع الوقت، خصوصاً بعد عودة السفير السعودي وليد بخاري إلى مقر عمله وجولته على المسؤولين، واستقباله مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية، كما تأكيده أن لا فيتو لدى المملكة على أي شخص، وأن المسألة محض لبنانية وهو ما تقول به كل الأطراف الخارجية أقله في العلن، وكذلك بعد إنعقاد القمة العربية وما شهدته من عودة للنظام السوري إلى الجامعة العربية.
في هذا الاطار، أتى تحرك “المعارضات” المتعددة ضد مرشح الثنائي الشيعي، إبتداءً بالثنائي الماروني مروراً بـ “الكتائب” والمستقلين وإنتهاءً بالتغييريين أو بعضهم على الأقل، وبدأت التسريبات عن قرب التوصل إلى إتفاق على إسم الوزير السابق جهاد أزعور – التي باتت شبه مؤكدة بقدرة قادر – الأمر الذي أخرج أطراف الثنائي الشيعي وملحقاته عن طورهم بطريقة لافتة ومثيرة للدهشة والاستغراب، وهو الذي لطالما رفع التحدي أمام الآخرين للإتفاق على مرشح يواجه مرشحه داخل المجلس النيابي، فما عدا مما بدا يا ترى؟
جاء ذلك عبر تصريحات عنيفة ومتشنجة خرجت على لسان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد يغمز فيها من قناة أزعور، واصفاً إياه بأنه مرشح “مناورة مهمته مواجهة ترشيح من دعمناه وإسقاطه”، ومعرباً عن أسفه لـ”وجود أصوات ترتفع لترشيح مثل هؤلاء وبالتالي رضاهم عن وصول ممثل الخضوع والاذعان والإستسلام”، وكذلك ما صدر من تصريحات عن المساعد السياسي للرئيس نبيه بري الوزير السابق علي حسن خليل وإن كانت أقل حدة، يتحدث فيها عن رفض فريقه لأي مرشح تحدٍ – على اعتبار أن مرشحهم مرشح ملائكي – متهماً المعارضة بممارسة “النكد السياسي ومنطق التعطيل الذي لا يبني وطناً”، ناسياً أو متناسياً أن فريقه كان أول من مارس إن لم نقل “إخترع” مفهوم النكد السياسي ومنطق التعطيل تنفيذاً لمآربه وأجندته ومصالحه السياسية. تبع ذلك زيارة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى الفاتيكان وفرنسا حاملاً معه ورقة التفاهم على أزعور كما أشيع، وسط تهديد أميركي بالعقوبات على من يعرقل إنتخاب الرئيس ما حدا برئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التأكيد أنه حال وجود “مرشَحَين جديين” فإنه سيدعو الى جلسة إنتخاب من دون أن يفسر رؤيته وحلفاءه للمرشح الجدي.
كل هذه التطورات تدفع الى التساؤل عن مآل الانتخابات الرئاسية في ظل الرفض المتبادل للأطراف الوازنة على الجانبين، وهما هنا كما هو معروف الثنائي الشيعي والثنائي الماروني لمرشح الطرف الآخر، خصوصاً مع “الصمت الانتخابي” الذي تمارسه كتلة “اللقاء الديموقراطي” بقيادة تيمور جنبلاط، في أعقاب إستقالة “البيك” وليد جنبلاط من رئاسة الحزب “التقدمي الاشتراكي”، وهي إستقالة أشبه برسالة لها دلالاتها في هذه الظروف، وقد تكون لها تداعيات على المشهد السياسي في البلد ككل.
هذه الأجواء التي تبدو مفتوحة على التصعيد، تطرح تساؤلات عدة عن مدى جدية طرح جهاد أزعور في وجه الثنائي الشيعي وتحديداً من طرفي الثنائي الماروني، وكأن هذا الأخير يريد مواجهة الطرف الأول بسلاحه ألا وهو التحدي؟ فكما أن الثنائي الشيعي يطرح فرنجية كمرشح لا يحظى بأكثرية مسيحية، يرد الثنائي الماروني التحدي بمرشح لا يحظى بموافقة شيعية وهو الأمر الذي لا يمكن أن يوصل إلى الانتخاب عملياً، وربما هذا التحدي هو ما أفقد الثنائي الشيعي هدوءه في الدرجة الأولى أكثر من جهاد أزعور كشخص. وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الخطة “ب” التي قد يلجأ إليها كلا الطرفين في هذه الحال، هل هي إطالة أمد الفراغ كما صرَّح بذلك مسؤولو “حزب الله” عدة مرات، وحديثهم عن سياسة النفس الطويل خصوصاً في ظل فراغ المواقع المسيحية في الدولة إبتداءً بحاكم مصرف لبنان قريباً وبعدها قيادة الجيش بعد عدة أشهر، أم هي في اللجوء إلى طرح إسم قائد الجيش جوزيف عون كأمر واقع من بعض أطياف المعارضة التي لا تتفق إلا على رفض فرنجية وكَحَلْ وسط لا بديل عنه؟ وفي هذه الحال ماذا سيكون موقف جبران باسيل وتياره وهو الذي يستميت لإبعاد عون عن هذا الموقع، كذلك موقف الثنائي الشيعي الذي يرفض حتى الآن – على الأقل – هذا الخيار بذريعة أن الأمر يحتاج الى تعديل دستوري، وهل يكون هذا ما قصده النائب محمد رعد بقوله إن جهاد أزعور ليس هو المرشح الحقيقي للمعارضة بل هو مرشح لإسقاط مرشح الممانعة وحرقه فقط؟
هكذا تبدو الأمور وكأنها تدور في حلقة مفرغة ويجد لبنان نفسه في ظروف مشابهة لما كان عليه الوضع عشية التمديد لاميل لحود عام 2004، عندما أصرَّ النظام السوري وحلفاؤه على التمديد خلافاً لرأي المعارضة اللبنانية آنذاك، الذي يقابله اليوم التمسك بفرنجية ومحاولة فرضه ولو “بالتوافق” السلبي، وتحدياً للقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي يومها الذي يقابله اليوم التهديد بالعقوبات، فكانت بداية الطريق إلى جهنم التي كلفت لبنان واللبنانيين الكثير ولا تزال. الفارق الإيجابي الوحيد أن يومها كان الوضع الاقليمي مضطرباً جراء غزو العراق والاندفاعة الأميركية في المنطقة، بينما الوضع اليوم يعيش حالة وفاق سعودي – إيراني تبنى عليه الآمال في أن يكون رافعة للسلام والاستقرار في المنطقة كلها ولبنان من ضمنها، فهل سنشهد حلولاً قريبة مفاجئة على طريقة “إشتدي أزمة تنفرجي” ويتم إنتخاب رئيس “ع البارد” يكون بداية الطريق إلى إعادة الأمن والأمان والاستقرار للبنان، أم سيكون هناك حدث دراماتيكي ما يقلب معادلة هنا أو يغيّر واقعاً هناك، خصوصاً في ظل التطرف الصهيوني وممارساته على الأرض، بحيث يكون الحل “ع الحامي”، في منطقة لا يمكن توقع تطوراتها وتقلباتها المتسارعة؟ أسئلة قلقة على أمل أن تحمل الأيام أو الأسابيع المقبلة على أبعد تقدير أجوبة مطمئنة عليها.