تجرأ باسيل… كيف يرد نصر الله؟

أنطوني جعجع

جبران باسيل ليس ميشال عون وميشال عون ليس جبران باسيل. هذا في اختصار الاقتناع الراسخ في أوساط “حزب الله” وأمينه العام حسن نصر الله.

فما أعقب تنحي “الجنرال” لا يشبه ما سبقه لا من قريب ولا من بعيد، بل يعاكسه تماماً منتحلاً حالاً من التباعد والتباين هما أقرب الى الانقلاب منه الى الطلاق، ويكاد يصل الى حدود الانتحار الجماعي.

ويقر مصدر قريب من الضاحية الجنوبية، بأن العلاقة بين باسيل ونصر الله لن تعود الى طبيعتها مهما حاولا ترميم ما انكسر أو استبدال ما فُقد، مشيراً الى أن القيادة في “حزب الله” تشعر بأنها طعنت في ظهرها وأن مواصلة المشوار مع الصهر باتت محفوفة بالشكوك وانعدام الثقة.

وأضاف أن “حزب الله” يشعر بالخيبة حيال رجل تطوع، قسراً أو طوعاً لخربطة “عهد آخر” كان يراهن عليه لاستكمال السيطرة على مفاصل البلاد وتعزيز التحصينات التي يستقر خلفها لحماية سلاحه ومشروعه العقائدي، في وقت يتعرض لضغوط محلية وإقليمية ودولية تكاد توازي في قسوتها ما تعرض له في “حرب تموز”.

وأكثر من ذلك، يمضي المصدر بعيداً الى حد القول ان باسيل لم يفعل ذلك “من منطلق وطني أو سيادي”، بل من منطلق شخصي ذي أهداف ثلاثة: الأول الوصول الى رئاسة الجمهورية من خلال حرق الأسماء الواحد تلو الآخر والرهان على ظروف وتحولات اقليمية ودولية يأمل أن تصب لمصلحته، والثاني اختيار رئيس من صنعه اذا تعذر الهدف الأول، والثالث فك العقوبات الأميركية من خلال فك التحالف مع “المقاومة الاسلامية”، مشيراً في الوقت عينه الى أن رئيس “التيار الوطني الحر” تناسى أن العقوبات فرضت عليه “على خلفية فساده لا على خلفية ولاءاته”.

والواقع أن ما عبّر عنه المصدر القريب من الضاحية الجنوبية، يعكس تماماً حال الغضب في أوساط نصر الله الذي كان ينتظر أن يأتيه التحدي الفاعل من خصومه المسيحيين فجاءه من أقرب حلفائه المسيحيين، وهو أمر لا يمكن له ابتلاعه أو التساهل حياله هو الذي وصل في “فوقيته” الى مراحل لا يطالها “الناس العاديون”.

والواقع أيضاً، أن نصر الله الذي اعتاد فرض شروطه على الآخرين منذ العام ٢٠٠٥ تاريخ الانسحاب السوري من لبنان، لا يمكن أن يتلقى شروطاً من أحد، ويعتبر احتمال سقوط مرشحه سليمان فرنجية، بمثابة هزيمة أمام أعتى أعدائه، واحتمال وصول سواه الى قصر بعبدا بمثابة قنبلة لا يعرف متى تنفجر بين يديه.

وما يعزز هذا الواقع أن نصر الله، شأنه شأن باسيل، يتخوف من أن يكون أمام آخر فرصة لايصال رئيس من اختياره الكامل الى قصر بعبدا، في ظل التطورات والتحولات المتسارعة في المنطقة والعالم، وهو ما ينطبق على باسيل الذي يقول في كواليسه: “اما الرئاسة الآن واما الحرمان الى الأبد”.

ويخطئ من يظن أن نصر الله من الطينة التي تقبل أي طعنة في الظهر سواء جاءت من أعزل أو من مدجج بالسلاح، معتبراً أن باسيل يحاول لعب “دور البطل” الذي تجرأ على “حزب الله” في معركة ستكون قاضية اذا خسرها وغير هانئة اذا ربحها، وأنه لن يكسب الشارع المسيحي بعدها، ولا الشارع الاسلامي الذي انضم اليه هذه المرة الشارع الشيعي كاملاً.

ويخطئ أيضاً من يظن أن ميشال عون لا يزال يتربع في “موقع خاص” لدى “حزب الله” بعدما ناصر صهره الى آخر الطريق ورفض السير خلف سليمان فرنجية الذي تنحى له قبل ست سنوات كرمى نصر الله الذي يردد في سره: “حتى أنت يا بروتوس”.

وحيال هذا المشهد القاتم بين الضاحية والرابية، يجد “حزب الله” نفسه عارياً من أي غطاء مسيحي لا يجده في أي مكان آخر، باستثناء تيار “المردة” المحدود في المكان والزمان، ولا يوظفه مستقبلاً في أي حكومة عتيدة كما كانت الحال مع وزراء “التيار الوطني الحر”، ويجد نفسه أيضاً وحيداً في سلسلة تحديات محرجة، تبدأ بحملة أميركية تهدده مع حليفه نبيه بري بسبحة من العقوبات، وتطاول تحريك التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وترفض “تحويل لبنان الى رهينة” بين يديه، ولا تنتهي بقرار لبناني يتهمه بقتل الجندي الايرلندي عمداً في بلدة العاقبية ويضعه في مواجهة “اليونيفيل” والأمم المتحدة، اضافة الى الحشود الاسرائيلية جنوباً والتهديدات التي تستهدف المنشآت النووية الايرانية.

في الجانب الآخر، يقر مصدر في فريق باسيل من جهته بأن وضع “التيار” ليس على ما يرام، لكنه يقر أيضاً بأن وضع “حزب الله” ليس أفضل حالاً، وأن الفريقين يتساويان في الخسارة وأن “حزب الله” سيضطر حكماً الى مسايرته لا بل إلى استرضائه مجدداً تحت شعار “مرغم أخاك لا بطل”.

والسؤال هنا، ماذا يمكن أن يجمع الفريقين المثخنين بالجراح والمثقلين بالمآخذ والشكاوى، في وقت يصر الأول على ترئيس فرنجية رغماً عن أنف باسيل، ويصر باسيل على السير بالشيطان نكاية بفرنجية؟

والسؤال أيضاً، الى أين يذهب “حزب الله” بعد عون وباسيل، والى أين يذهب الثنائي الماروني، أي الجنرال وصهره بعد نصر الله والممانعة، هل يذهب الأول الى سلاحه كما فعل في “السابع من أيار”، وهل ذلك ممكن أو مسموح في ظل المصالحات الأخيرة في المنطقة، وهل يذهب الثاني الى معراب والصيفي ودار الفتوى وبيت الوسط وعين التينة هو الذي تحداهم وأبعدهم الى حدود الالغاء يوم اشتد ساعده؟

لا جواب حتى الآن، لكن الواضح أن الاصطفافات غير الطائفية قد تراجعت لمصلحة الاصطفافات الطائفية، وأن نصر الله أبعد باسيل من حساباته المضمونة وبات يلعب وحيداً في ملعب اسلامي يضمه مع حركة “أمل” وأنصار بشار الأسد، وأن باسيل بات يلعب وحيداً في ملعب مسيحي يقتصر على تياره، ويفتقد جميع المسلمين والقسم الأكبر من المسيحيين الآخرين من معراب مروراً بالصيفي وصولاً الى بنشعي وربما بكركي التي لا تبرئه سراً من عرقلة الانتخابات الرئاسية ومن الانقلاب على المزاج المسيحي العام.

في اختصار، تمكن باسيل من وضع الثنائي الشيعي أمام واحد من خيارين: اما التخلي عن فرنحية واما المضي بمرشح من اختياره قد يكون جهاد أزعور أو سواه وهو أمر لم يسبقه اليه أحد.

وفي اختصار أيضاً يقف المشهد الرئاسي اللبناني أمام رجلين، واحد يؤمن بالسيف وواحد يؤمن بعشق السلطة، الأول لا يريد أن يُهزم مهما كان الثمن والثاني يريد أن يربح أي شيء مهما كان الثمن من دون أن يدركا أن الهيمنة هنا والمعاندة هناك، استنسختا النظرية التي تقول ان بعض الثورات تأكل أبناءها وأن بعض التحالفات تفضح عملاءها.

وفي اختصار أيضاً، لا يعني الفراق بين الضاحية والرابية، أن الفريق الآخر الساكن في معراب أو الصيفي أو بكركي قادر حكماً على الاستفادة من فراق الحليفين، هما اللذان يجيدان لعبة “التوافق التكتيكي لا الاستراتيجي”، وأن أكثر ما يستطيعان الحصول عليه هو التملص من أي “عقوبات” أميركية من خلال التخلي عن “سلاح التعطيل”، وأن أكثر ما يمكن أن يتنعما به هو نعمة التفرج على العائدين الى حظائرهم كما غادروها يوماً ما، وعلى “جثة مار مخايل” وهي تعود من أكفان طهران الى مدافن بيروت.

شارك المقال