سر زيارة عون الثانية إلى سوريا!

محمد شمس الدين

زيارة الرئيس السابق ميشال عون إلى سوريا أمس ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد، جاءت في وقت دقيق تمر به العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، بعد الخلاف على الاستحقاق الرئاسي، كون الحزب يدعم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة، الأمر الذي يرفضه رئيس التيار جبران باسيل، وتوجه نحو التقاطع مع المعارضة على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، ما دفع الى التساؤل عن مستقبل العلاقة بين الطرفين، وما إذا انتقل التيار إلى الجهة المناوئة لـ “حزب الله”؟ فهل زيارة عون إلى سوريا هدفها تطمين حليف “مار مخايل” أم الطلب من الأسد التوسط مع فرنجية لسحب ترشيحه، أم هناك أسباب أخرى؟

العلاقة بين سوريا وعون شهدت تقلبات منذ توليه رئاسة الحكومة العسكرية في أواخر الثمانينيات، فتارة يقول عون انه مستعد لأن يكون “جندياً في جيش حافظ الأسد” وتارة أخرى يريد “تكسير رأس حافظ الأسد” ويشن حرب التحرير من الجيش السوري، إلى أن اضطربت العلاقة كلياً بعد 13 تشرين 1990 وهروب عون إلى المنفى، ومن هناك شنّ حملته على سوريا، حتى إقرار قانون محاسبتها في الكونغرس الأميركي، إلى العام 2004، حين بدأت المراسلات من جديد بين الطرفين، وتحضير الأرضية لعودة عون إلى لبنان برضى سوريا، ولكن قبل أن تستكمل المشاروات، حصل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعاد عون على أثر الانفجار الأمني والشعبي الذي تلا الاغتيال. وبعد عودته، أبرم عون اتفاق مار مخايل مع “حزب الله”، ثم زار سوريا عام 2008، والتقى الأسد حينها وفتحا صفحة جديدة، واستطاع بعدها حصد المزيد من المقاعد النيابية عام 2009، الى أن انقلبت المنطقة كلها رأسها على عقب، وبدأ ما يسمى “الربيع العربي” الذي وصل إلى سوريا، وانقلب حالها كلياً، ولم تعد كما كانت، وأثرت الحرب فيها على لبنان من عدة جوانب، أولها الجانب الاقتصادي، كونها المتنفس البري الوحيد للبنان، ثم بدأت موجات النزوح، وخلال هذا الوقت حافظ عون على “الصفحة الجديدة” مع سوريا، حتى وصوله إلى الرئاسة عام 2016 بعد فراغ دام سنتين، وكان من المفترض أن يزور سوريا كرئيس للجمهورية إلا أنه لم يقم بهذه الزيارة أبداً، وها هو اليوم يزورها كرئيس سابق من دون أي صفة دستورية فعلياً، في وقت يحاول صهره جبران باسيل بشتى الطرق قطع الطريق الرئاسي على صديق سوريا سليمان فرنجية، فلماذا الآن؟

أشار قيادي عوني سابق في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن زيارة الرئيس عون إلى سوريا “كانت مقررة سابقاً، ولكن بعد انتهاء ولايته، وذلك لرد الدين لها على وصوله الى الرئاسة، ولم يكن باستطاعته القيام بهذه الزيارة عندما كان رئيساً، لأن أحد الشروط لوصوله الى الرئاسة كانت عدم زيارته سوريا وايران”.

وعن التوقيت، رأى القيادي أنه “يجب الانتباه إلى تقارب دمشق وعين التينة الذي تجلى في زيارة وزير الثقافة محمد المرتضى إلى سوريا، والقائه خطاباً وصف فيه العلاقة بين البلدين بأنها شعبان في بلد واحد، ويبدو أن عون انتبه الى هذا الأمر وسارع الى القيام بالزيارة المؤجلة، لأنه لطالما راهن على الخلاف بين الرئيس نبيه بري والرئيس بشار الأسد ليصب في مصلحته، ولذلك هذه الزيارة هي في إطار رد الدين، واثبات الحضور في ظل تقارب عين التينة – دمشق”.

وعن تقلبات عون تجاه سوريا، قال القيادي: “عون باع تاريخه منذ زمن طويل وليس الأمر بجديد، وهو مستعد لبيعه مجدداً في حال كانت هناك مصلحة في ذلك”. ولفت الى أن لا مشكلة لديه في العلاقة مع سوريا تحديداً بعد التقارب العربي – السوري الذي لا يمكن أن نكون خارجه، ولكن “يجب أن تكون من دولة إلى دولة، وأن نعرف ما هي حقوقنا وواجبات سوريا علينا وواجباتنا تجاهها، إلا أن زيارة عون ليست من هذا المبدأ، إنما هي رد دين ومصالح شخصية فقط”.

وكما كان متوقعاً، إن من عون نفسه أو من العارفين، فان الرئيس السوري أبلغ عون أن الملف اللبناني عند “حزب الله”، بعدما أطلعه الأخير على رؤية التيار عن الاستحقاق الرئاسي، وعدم جواز تخطي المسيحيين، وبالتالي الزيارة بقيت في إطار رد الدين لا أكثر، وسوريا لا تريد التدخل اليوم في الشؤون اللبنانية.

شارك المقال