fbpx

هل نكون أمام سيناريو 1970 الذي أتى بفرنجية رئيساً؟ 

زياد سامي عيتاني
تابعنا على الواتساب

بعدما دعا الرئيس نبيه بري إلى جلسة للهيئة العامة للمجلس النيابي في 14 الجاري لانتخاب رئيس للجمهورية، عقب إصطفاف النواب في كتلتي مواجهة، من خلال تبني المرشحين سليمان فرنجية (الحفيد) وجهاد أزعور، يكثر الكلام عن جلسة شبيهة (في حال لم يستخدم سلاح تعطيل النصاب)، بجلسة إنتخاب سليمان فرنجية (الجد) رئيساً للجمهورية في 17 آب عام 1970.

حينذاك، كانت الظروف مشابهة للتي نعيشها، مرشحان للرئاسة هما سليمان فرنجية وإلياس سركيس، وإنقسام النواب بين إصطفافين، موزعين على “النهج الشهابي” و”الحلف الثلاثي” وحليفه “تكتل الوسط”.

يومها كانت المنافسة على أشدها بين وزير الاقتصاد سليمان فرنجية (مرشح الحلف الثلاثي والمعارضة)، وحاكم مصرف لبنان إلياس سركيس (مرشح النهج الشهابي).

ما أشبه البارحة باليوم، ليس لجهة المسار الانتخابي الديموقراطي، بل لجهة الانقسام العمودي بين فريقين متخاصمين، يتقاطع كل منهما بمحاور خارجية! إضافة إلى ما يعتمده كلا الفريقين من مناورات، ومحاولات إقناع وضغط، ومفاوضات تحت الطاولة، وعمليات “بوانتاج”، فضلاً عن إعتماد خطابين تخوينيين متبادلين!

ولاجراء عملية مقاربة ومقارنة بين المحطتين، لا بد من العودة بالذاكرة والوقائع إلى ما أحاط بإنتخابات 1970:

فقد وصفت الانتخابات الرئاسية عام 1970، بأنها الوحيدة التي لم يحصل فيها تدخل خارجي، سواء من دول عربية أو غربية، لفرض مرشح يتم التوافق عليه في ما بينها، أو تتنافس عليه.

غير أن هذا التوصيف ليس واقعياً، لدرجة يمكن معها إعتبار تلك الانتخابات نزيهة ومثالية، إذ تحكم بالمسار الانتخابي آنذاك السفير السوفياتي في لبنان سرغار عظيموف بكل ثقله لقطع الطريق على مرشح “الشهابية” إلياس سركيس.

ومرد ذلك، الى أنه قبل عامين من موعد الاستحقاق الانتخابي، نجحت “الشعبة الثانية” في إفشال محاولة الاستخبارات السوفياتية خطف طائرة “ميراج” عسكرية، واعتقلت الديبلوماسيين السوفيات الضالعين فيها، فكان من الطبيعي أن تنتقم موسكو من “الشهابية” باعتبار أن “الشعبة الثانية” في الجيش اللبناني كانت الذراع المخابراتية “الحديدية” التي استخدمها الرئيس فؤاد شهاب طيلة عهده في مواجهة خصومه السياسيين، وبقيت تؤدي الدور نفسه في عهد الرئيس شارل حلو.

كذلك، شهدت تلك الانتخابات إنكفاءً غير مسبوق للدور الذي كانت تلعبه مصر (جمال عبد الناصر)، وذلك تضامناً مع الموقف السوفياتي، (وهو إنكفاء غير مسبوق لمصر، حيث أنها المرة الأولى منذ العام 1958 تتخلى عن تأييد مرشح الشهابية!).

وهذان العاملان دفعا الزعيم كمال جنبلاط إلى تشتيت أصوات كتلته (8 أصوات) على المرشحين، في حين أن حلفاء مصر من النواب صبّوا أصواتهم لمصلحة سليمان فرنجية.

يشار في سياق هذا العرض، إلى أنه تم حسم ترشيح فرنجية في جريدة “النهار”، التي كان رئيس تحريرها غسان تويني عراب الاتفاق، إذ كان قريباً من كميل شمعون، الذي كان وريمون إده وبيار الجميل يريدون أن يترشحوا، لكن لم تكن مع أي منهم الأكثرية، وكان فرنجية في كتلة وسطية مع كامل الأسعد وصائب سلام، ونتيجة إتصالات تويني مع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” كمال جنبلاط، وعد الأخير بأن يوزع أصوات كتلته بين فرنجية وسركيس، فتم الإتفاق على ترشيح فرنجية، وتنازل له شمعون والجميل وإده.

أما بالنسبة الى حسم ترشيح إلياس سركيس، فتم في منزل الرئيس فؤاد شهاب في جونيه، عندما لم يتجاوب مع مؤيديه بإعادة ترشحه، مصراً على ترشيح “إبن سركيس”، كما كان يسميه.

بالعودة الى تلك الجلسة، فقد إلتأم المجلس في مقره في وسط بيروت، في 17 آب 1970، لانتخاب رئيس للجمهورية، بحضور جميع النواب البالغ عددهم وقتها 99 نائباً، من دون أي غياب.

في الدورة الأولى حصل سركيس على 45 صوتاً، وفرنجية على 38، وبيار الجميل على 10 أصوات، وصوت واحد ذهب إلى عدنان الحكيم.

وخلال الدورة الثالثة نال فرنجية 50 صوتاً، وسركيس 49، وبذلك فاز الأول بمنصب الرئاسة الخامسة للجمهورية اللبنانية، بفارق صوت واحد عن منافسه.

هنا لا بد من التوقف بما قيل حينها، “إنها الانتخابات الوحيدة التي شهدت ثلاث دورات إقتراع، عبّرت عن إصرار النواب على حصول الانتخاب بأي ثمن”.

في الواقع، هو قول غير دقيق، لأن الدورة الثانية من الاقتراع التي ألغاها رئيس المجلس صبري حمادة، عُدّت باطلة بعد إكتشاف أن عدد أوراق الاقتراع أكثر من عدد النواب المقترعين (100/99).

عُزي سبب هذه “اللعبة”، إلى العميد ريمون اده، الذي مزّق ورقة إقتراعه إلى إثنتين، بعدما أبصر النائب أحمد إسبر (عضو كتلته)، “يغمز” حمادة (إشارة منه إلى إقتراعه لسركيس)، فألقى إده الورقتين وأعطب التصويت، فذهب البرلمان الى دورة إقتراع ثالثة.

ويقال ان “العميد” طلب من النائب سايد عقل الجلوس قرب إسبر ومراقبته لحظة الاقتراع، بعدما “وشوشه” بإلتزام قرار الحزب التصويت لفرنجية.

لذلك، عملياً وقانونياً، لم تكن هناك دورة ثالثة، بل دورة ثانية، بسبب إبطال الدورة التي إقترع فيها بمئة ورقة.

صحيح أنه شكلاً، ثمة تشابه كبير بما هو مرتقب في جلسة مجلس النواب الأربعاء المقبل وبين جلسة 17 آب 1970، (إذا لم تسفر الاتصالات عن تأجيلها) لجهة وطأة التنافس والانقسام، وحصر المنافسة بين مرشحين، غير أن الظروف والمعطيات السياسية وموازين القوى المحلية والخارجية، المحيطة اليوم بالإستحقاق الرئاسي تختلف جذرياً عن سبعينيات القرن الماضي، فلبنان القابع في أزمات متعددة الأوجه والجوانب، والمهدد بالإنهيار الشامل، لا يحتمل اليوم مغامرات ولا رهانات ولا حسابات خاطئة، خصوصاً في ظل المتغيرات والتحولات على الصعيد الاقليمي، الأمر الذي يقتضي من كل الفرقاء المأزومين قياس خطواتهم وخيزراتهم بميزان الصيدلاني.

فهل ما زال للحكمة والعقلانية مكان، وسط هذا الجنون السياسي، خصوصاً مع غياب قامات سياسية بمستوى رجالات الدولة التي كان يزخر بهم برلمان 1970؟

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال