أوكرانيا: بوتين لن ينتصر ولكن الولايات المتحدة قد تخسر

حسناء بو حرفوش

يوضح الهجوم الكبير الذي استهدف سد كاخوفكا الضخم في منطقة خيرسون أن روسيا تلجأ بصورة متزايدة الى تدابير يائسة، كما يطرح السؤال حول كيفية رد الغرب. أليكسي باير كتب حول هذا الموضوع في موقع “ذا غلوباليست” الأميركي: “تظهر الممارسات الأخيرة لروسيا أن الحرب في أوكرانيا يجب أن تنتهي بسرعة، لأنها لا تستطيع كسب هذه الحرب. إذا استمر القتال عام آخر، فقد يجد الغرب نفسه خاسراً، مع تداعيات مأساوية على الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم.

هبة من السماء للولايات المتحدة

إنطلاقاً من هذه الخلفية، شكل غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا من نواحٍ كثيرة هبة من السماء للولايات المتحدة، فبالاضافة إلى الفوائد الاقتصادية الملموسة، مثل زيادة مبيعات الغاز الطبيعي المسال والأسلحة، لم تشهد الولايات المتحدة إحياء الناتو وترسيخه فحسب، بل توسعت مع إضافة فنلندا (وقريباً السويد). وبالنظر إلى وحشية الهجوم الروسي، تعمل الدول الأعضاء في الناتو أخيراً على توسيع ميزانياتها العسكرية، وهو ما كان مطلباً لواشنطن منذ فترة طويلة.

علاوة على ذلك، تمثل الرؤى المكتسبة حول قدرة (داخل) الجيش الروسي من ممارسات عنيفة ولكن غير الكفؤة إلى حد كبير ضد أوكرانيا، فائدة إستراتيجية هائلة للغرب. وهذا ما أدركته القيادة العسكرية الأميركية في وقت مبكر من هذا الصراع. لم يكن أحد يتوقع في غياب صراع عالمي كبير، أن الفرصة لمثل هذه التجربة “الحية” ستنشأ على الاطلاق. لقد قامت الآلة العسكرية الروسية بإزالة الغموض عن نفسها تماماً.

ويمكن أن يصبح الجيش الأوكراني، بعد انتصاره المحتمل، إضافة قيّمة للغاية للتحالف الغربي. كما لو أننا عدنا إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. باختصار، في ظل الحرب، تعززت مكانة الولايات المتحدة القيادية في التحالف، والأهم من ذلك، أن الدولة ترى نفسها مرة أخرى – ويُنظر إليها حول أجزاء حيوية من العالم – كمدافع عن الحرية وتقرير المصير وسيادة القانون. يبدو الأمر كما لو أننا عدنا إلى أوائل حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كان ينظر إلى الولايات المتحدة بأمل من الناس في جميع أنحاء العالم. بعد فشل حرب فلاديمير بوتين الخاطفة، هناك شيء واحد مؤكد: بغض النظر عما قد تدعيه الدعاية الروسية، لم يعد بإمكان بوتين هزيمة أوكرانيا. فهذا الأخير لا يفتقر إلى الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة فحسب، ولكن وبالقدر نفسه من الأهمية، لا تضاهي رغبة الشعب الروسي الفاترة في شن حرب غزو تصميم الأوكرانيين على الدفاع عن بلادهم وتحرير الأراضي المحتلة.

نحو حرب استنزاف؟

ومع ذلك، ما لم تتغير الأمور على الأرض بصورة كبيرة، لا تعني حقائق الحياة أن بوتين يفتقر إلى الموارد لمواصلة القتال إلى أجل غير مسمى. يبدو أن حرب الاستنزاف هي ما تفكر فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها أيضاً. خوفاً من الانجرار إلى الصراع، يقوم الناتو بتوجيه من واشنطن، بتوفير الأسلحة عن طريق المراوغة والخداع. وبناءً على ذلك، فضّل حلفاء الناتو التسلح الدفاعي وإعاقة الأنظمة الأكثر تقدماً. حتى طائرات F-16 المقاتلة التي تم تطويرها منذ نصف قرن، لم تُمنح بعد لأوكرانيا، ناهيك عن آلات طيران أكثر تطوراً وحداثة. لقد فرضت قيود كبيرة على استخدام الأسلحة الغربية، خصوصاً في مهاجمة الأراضي الروسية، خوفاً من “استفزاز بوتين”. إذا لم يُسمح لأوكرانيا بالفوز بصورة حاسمة وإذا استمرت الحرب لمدة عام آخر، فستخاطر الولايات المتحدة بتفويت الفرص الاستثنائية التي يوفرها خطأ بوتين الفادح وتبديد العديد من الفوائد التي تتمتع بها الآن.

ويمثل تدمير سد كاخوفكا والكارثة البشرية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي سيحدثها تحذيراً مما سيعنيه إطالة أمد الصراع. ستكون هناك فظائع أخرى سيرتكبها بوتين في غضبه العاجز ضد أوكرانيا التي ترفض الخضوع لارادته. وماذا عن قدرة أوكرانيا على التعافي اقتصادياً؟ حتى لو لم ترتكب روسيا جرائم حرب مماثلة أخرى، ستكون الحرب الطويلة كارثة لأوكرانيا، لأنها ستضعف قدرتها على التعافي اقتصادياً. حوالي ثمانية ملايين أوكراني هم بالفعل لاجئون في الخارج – معظمهم من النساء والأطفال لأنه لا يسمح للرجال في سن التجنيد بالمغادرة. ومع استمرار الحرب، سيختار الكثيرون البقاء حيث هم بدلاً من العودة، نظراً الى أن القصف الروسي دمر المزيد من المنازل والمصانع في أوكرانيا، المنهكة والمهجورة من السكان التي قد تصبح دولة فاشلة هائلة في قلب أوروبا.

سيناريوهات عديدة ممكنة

هناك العديد من السيناريوهات المحتملة لما سيحدث لأوكرانيا إذا استمرت الحرب. على سبيل المثال، قد تسقط حكومة فولوديمير زيلينسكي الموالية للغرب وقد تنقلب أوكرانيا على الغرب، كما قد تتطلع الى تشكيل تحالفات أخرى، لا سيما مع الصين. ويعرف الأوكرانيون أنهم يقاتلون ليس من أجل استقلالهم فحسب، ولكن من أجل الحرية والديموقراطية والسلام في بقية أوروبا. وتحقيقاً لهذه الغاية، يخسرون عشرات الآلاف من أفضل شبابهم وأذكاهم بينما يظل العالم الغربي على الهامش. في النهاية، سيولد هذا بعض الاستياء، وستتعرض وحدة الناتو الى ضغوط تحت وطأة الحرب الطويلة. وكما هو الحال، تسعى تركيا والمجر بالفعل الى تنفيذ أجندتهما الخاصة.

وفي نهاية المطاف، قد تصر البلدان البعيدة عن الصراع في أوروبا على تجميده. من ناحية أخرى، ستهتم بولندا ودول البلطيق وفنلندا ودول المواجهة الأخرى بالمصير المستقبلي لأوكرانيا. باختصار، يجب على واشنطن التأكد ليس من أن أوكرانيا تحرر أراضيها المحتلة فحسب، بل من أنها تقوم بذلك بسرعة. يجب أن تحصل أوكرانيا على جميع الأسلحة الحديثة التي تحتاجها، بما في ذلك الطائرات المقاتلة المتقدمة والمدفعية بعيدة المدى. ولكن إذا أظهرت الحرب علامات المماطلة، فقد تجد كل من روسيا والولايات المتحدة نفسيهما تخسران الحرب في أوكرانيا، مع تداعيات دراماتيكية على الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم”.

شارك المقال