نشر موقع معهد “نيوز لاين” (newlinesinstitute) الأميركي قراءة شددت على أن “مجتمع مكافحة الإرهاب أثبت على نطاق واسع قدرته على تحديد القضايا الأهم في سياق عمله، ولكنه يفتقر للبراعة في ما يتعلق بالتوقعات التي تلوح في الأفق. وهذا ما ترجمه بروز العديد من القضايا التى بدأت تطفو إلى السطح والتي تعطي صورة عما قد يبدو عليه مشهد الإرهاب في المستقبل”. ووفقاً للقراءة المفصّلة في المقال الموقّع باسم كولين كلارك ورشا العقيدي، “تظهر المؤشرات الحالية أن مشهد الإرهاب سيصبح خلال السنتين إلى الثلاث سنوات المقبلة أكثر تنوعاً وأكثر تشتتاً، خصوصاً مع استفادة الأطراف المعنية من التطور التقني”.
وذكّر المقال بتقرير مجلس الاستخبارات القومي حول الاتجاهات العالمية لعام 2040 الذي نشر في آذار الماضي، والذي لفت إلى “الحذر الذي تتوخاه شرائح كبيرة من سكان العالم إزاء المؤسسات والحكومات التي تراها غير راغبة أو غير قادرة على تلبية احتياجاتها. ويميل الناس للانجذاب إلى مجموعات مألوفة وبنهج تفكير مماثل، من أجل المجتمع والأمن، وبقواسم مشتركة مثل الهويات العرقية والدينية والثقافية أو التجمع حول المصالح والقضايا الموحدة مثل حماية البيئة.
التطرف اليميني والإرهاب اليساري
(…) وقد انخرطت الولايات المتحدة الأميركية، رداً على هجمات 11 أيلول، في “الحرب العالمية على الإرهاب” المشؤومة وحلت مكافحة الإرهاب محل الاستراتيجية الكبرى عندما قررت غزو أفغانستان والعراق، حيث طاردت الإرهابيين والمتمردين وصولاً إلى مناطق نائية من العالم (…) كما تولت مهام مكافحة الإرهاب في حوالي 65 دولة حول العالم. ولكن، مع اعتماد واشنطن وحلفائها على قوات العمليات الخاصة والأنظمة الجوية غير المأهولة لإبقاء الجماعات الجهادية في حالة من عدم التوازن، فاتت الدول الغربية ملاحظة النمو السريع للتطرف اليميني العنيف (…) وبات من المستحيل في هذه الآونة تجاهل التهديد الذي يمثّله العنصريون البيض والنازيون الجدد والميليشيات المناهضة للحكومة.
تضاف إلى ما سبق، تأثيرات جائحة فيروس كورونا مع ترجيح إحيائها لأشكال التطرف الساكنة منذ فترة طويلة، بما في ذلك العنف اليساري (…) خصوصاً بوجود دافع آخر محتمل للإرهاب اليساري وهو سيناريو يعيدنا إلى التسعينات، حيث تزداد أعداد الراديكاليين الذي ينتقدون عدم قدرة حكوماتهم أو عدم رغبتها بالتعامل مع القضايا المتصلة بالمناخ على سبيل المثال (…) وصولاً إلى المخاوف من تنامي قوة الفاشيين البيئيين (…) عدا عن تغلغل التكنولوجيا في مفاصل الحياة اليومية والقلق من استبدال الانسان بالذكاء الاصطناعي (…) والتركيز المتجدد على مجتمع وحركات كارهي النساء الذين ينادون بالعنف ضد المرأة (…).
تشتت الإرهاب
ويؤكد كل ذلك أن الإرهاب المستقبلي لن يكون أكثر تنوعاً فحسب، بل أكثر تشتتاً من نواح عدة من حيث الهيكل التنظيمي والأيديولوجيا. وستحافظ المجموعات والمنظمات الموجودة بالفعل على استمراريتها وهيمنتها إلى جانب انضمام الجهات الفاعلة المنفردة والخلايا الصغيرة والحركات الاجتماعية العنيفة إليها (…) كما قد تربك الأيديولوجيات التي تحفز العنف صانعي السياسة أيضا، حيث ينجذب المتطرفون العنيفون بشكل متزايد إلى ما يسمى بإيديولوجيات “شريط السلطة” المنتشرة على نطاق واسع والتي قد تنطوي في العديد من الأحيان على التناقضات (…) ولم يلهم كتاب المخطط الجهادي “إدارة الهمجية” أجيالاً من الإسلاميين المسلحين فحسب، بل إنه أثر أيضاً، للمفارقة، بجحافل الإرهابيين المعادين في الأساس للإسلام.
وسيكتسب الإرهابيون والجماعات الإرهابية في المستقبل، المزيد من التمكين بفضل التقدم التقني، وقد تأتي النتيجة بنشرهم منظومات جوية بدون طيار أو طائرات مسيرة بوتيرة ومهارة متصاعدة. وينطلي الأمر على التقدم في مجال العملات الافتراضية في سعي هذه المنظومات لتمويل عملياتها، في حين أن أساليب التشفير الأكثر تطوراً ستسهل الاتصالات الإرهابية، وربما تؤدي إلى نشوء المزيد من المنظمات التي تحاكي نموذج تنظيم الدولة الإسلامية في توجيه الهجمات الإرهابية وإدارتها. وقد يتمكن الأفراد أو المجموعات التي تتمتع بمستويات عالية للغاية من المهارات التقنية من تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لمضاعفة قوة الهجمات والعمليات.
وتحاول الولايات المتحدة الابتعاد عن مكافحة الإرهاب كمبدأ منظم لمواجهة تحديات المنافسة بين القوى العظمى، علماً بأن مبدأ منافسة القوى العظمى لا يستبعد مكافحة الإرهاب والعكس صحيح. وفي الواقع، سيؤدي التقارب بين الاثنين في كثير من الحالات، إلى زيادة تعقيد الاستجابة لا بل وإلى زيادة الإرهاب الذي ترعاه الدولة، من خلال العودة إلى الصراعات بالوكالة كما خلال الحرب الباردة.
ومن أجل درء الأيديولوجيات العنيفة أو قطع الطريق أمام دعم الجماعات الإرهابية وصياغة السياسات الوقائية المناسبة، يجدر بالولايات المتحدة التعلم من تجارب السياقات المحلية في الدول الأجنبية، وأهمها ملاحظة المؤشرات المبكرة والتحذيرات من العنصرية أو الطائفية أو غيرها من أشكال التمييز ضد مجموعات مجتمعية معينة. ولا تتوافق قضايا مثل أيديولوجيات “شريط السلطة” مع الأطر التحليلية الأنيقة لأن بعض المفاهيم مثل “السيولة الهامشية” قد تعني إمكانية قيام المتطرفين العنيفين بالتوفيق بين جوانب أيديولوجيتين متنافستين، مثل النازية الجديدة والإسلام المتشدد.
ومن الأهمية بمكان بالنسبة للمحللين المتخصصين بمكافحة الإرهاب، الخروج من مناطق الراحة في تحليلاتهم وبالتالي، التشكيك بالافتراضات القائمة منذ مدة طويلة وتجنب التفكير الجماعي الذي يطبع تقييمات الاستخبارات. ويتطلب ذلك الاطلاع والمعرفة المعمقة حول عمل الجماعات الإرهابية وتجنيدها وتدريباتها، كما يستدعي فضولاً فكرياً وفهم مرونة الأيديولوجية الممكنة وتحديد الخطوط العامة لاتجاهاتها قبل أن تتحول إلى خطوط انقسام جديدة”.
المصدر: Newlines Institute