يسود لبنان الترقّب ازاء ما ستؤول إليه الاتصالات الخارجية، بعد لقاء الاليزيه الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بحيث كان لبنان حاضراً “وجبة” رئيسة على طاولة المفاوضات، على الرغم من تعدد المواضيع النقاشية التي تهم البلدين وكثرتها. وأظهر البيان الرسمي الصادر في أعقاب اللقاء، أن لبنان نال قسطاً من المباحثات المشتركة، من دون الافصاح عن التفاصيل، في إنتظار ما ستحمله زيارة الموفد الفرنسي الجديد جان إيف لودريان إلى لبنان، من أفكار جديدة، في محاولة للخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية.
بعد إخفاق البرلمان اللبناني، كما كان متوقعاً، في إنتخاب رئيس للجمهورية في جلسته الأخيرة، عاد يدور في الكواليس السياسية، إمكان طرح مرشح ثالث للرئاسة، مع إستحالة فوز أي من المرشحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، بحكم تركيبة المجلس الحالية، وهذا ما دفع نائب رئيسه إلى إقتراح إجراء إنتخابات مبكرة!
ويتصدر في هذا الاطار، إسم قائد الجيش العماد جوزيف عون بين الأسماء المطروحة للخيار الثالث. وبمعزل عن الجانب الدستوري الذي يحول دون إمكان ترشحه للرئاسة، لأن الدستور يتطلب أن يستقيل من منصبه قبل ستة أشهر من موعد الانتخاب (وهذا لم يحصل)، فإن السؤال الذي يفرض نفسه: هل القوى السياسية المؤثرة والوازنة في المجلس النيابي، يمكن أن تسير بالعماد عون، في حال نضجت تسوية دولية – إقليمية لدعمه؟
وهذا السؤال، ينسحب بصورة أساسية ومحددة على كل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، لأن بقية الأطراف أقل “تحسساً” من ترشيحه.
فقد سبق لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أن أدرج إسمه ضمن لائحة حملها الى القيادات التي حاورها سابقاً، عندما تحرك منذ بضعة أشهر، بهدف التوافق على مرشح مقبول.
في حين سبق أن أعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أنه لا يمانع انتخاب قائد الجيش إذا حصل عليه توافق، مؤكداً أن إنتخابه اذا كان يحل المشكلة فحزب “القوات” لا يمانع في ذلك.
فهل من الممكن أن يتغير موقفا الحزب والتيار من إمكان ترشيح العماد عون كمرشح توافقي؟
بشأن “حزب الله” من إمكان السير في هذا الترشيح، إذا ما أسفرت الحوارات بين الأطراف عن الاجماع عليه، فإن التحليلات بشأن موقفه من العماد عون تنقسم إلى رأيين:
– الرأي الأول يعتبر أن لا فيتو لقيادة الحزب عليه، وأن العلاقة بقائد الجيش منذ توليه قيادة المؤسسة العسكرية، إتسمت بالتعاون والإرتياح، لعدم إتباعه سياسة عدائية للحزب.
– الرأي الثاني يعتقد أن الحزب يستريب بعلاقته بالأميركيين، نظراً إلى إغداق الولايات المتحدة الأميركية المساعدات على الجيش، خصوصاً وأن الأمين العام السيد حسن نصر الله سبق له خلال الأشهر الماضية أن أثار في خطابين متتاليين موضوع وجود الأميركيين بكثرة في وزارة الدفاع، وأنهم يحرّضون الجيش على الاصطدام بالمقاومة والحزب، على الرغم من تأكيده أن ضباط الجيش وجنوده لن ينجروا إلى ذلك. واعتبر المراقبون حينها أنها إشارة واضحة من نصر الله إلى قطع الطريق أمام وصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا.
إنما المراقبون أنفسهم، يؤكدون وعلى الرغم من أن الحزب لا يزال يتبنى ترشيح فرنجية، انفتاحه على الحوار، بدليل الموقف الذي سبق أن صدر عن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، لجهة تأكيده أنهم حاضرون للنقاش، على قاعدة أن تُدوَّر الزوايا بين الأطراف. كذلك سبق لرئيس المجلس السياسي في الحزب إبراهيم أمين السيد، أن أكد عدم وجود فيتو على أحد.
على المقلب الآخر، فإن موقف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل السلبي تجاه خيار العماد عون معروف. لا شك في أن العلاقة بينهما لم تكن على أفضل حال في عهد الرئيس السابق ميشال عون، ومرد ذلك الى أن قائد الجيش تصدى لكل محاولات باسيل التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية، ربطاً بالتعيينات وغير ذلك من أمور، خصوصاً عندما وصفه باسيل بأنه “قائد الانقلاب”، في إشارة إلى تحميله مسؤولية تغاضيه عما آلت إليه البلاد وعهد عون منذ 17 تشرين الأول 2019.
كذلك، سبق لباسيل أن إتهمه بأنه “يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، ويأخذ بالقوّة صلاحيات وزير الدفاع (موريس سليم)، ويتصرّف على هواه بالملايين من صندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش”.
هذه المواقف “الباسيلية” ضد قائد الجيش، بما تنطوي عليه من حقد شخصي، تشي بإستحالة قبوله السير به رئيساً، لما هو معروف عنه من تغليب مصالحه السياسية “وغير السياسية” على المصلحة الوطنية، خصوصاً وأنه بات في موقع سياسي لا يحسد عليه، لن يمكنه من الوصول إلى أي من أهدافه السياسية الانتقامية!
من خلال هذه المواقف، وحركة الاتصالات الخارجية، وإزاء المعلومات الواردة من مصادر ديبلوماسية، والتي تشير إلى أن العماد عون هو الأوفر حظاً عند الدول الخمس منذ أن إجتمعت في باريس، وربما إزدادت حظوظه مع إخفاق إنتخاب أي من مرشحيْ “التحدي والمواجهة”، لا تستبعد مصادر أخرى أن يكون لقاء الاليزيه قد توقف بصورة أساسية عند إسم العماد عون كمرشح توافقي، حمله وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى طهران.
فهل ستتركز زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان المرتقبة إلى لبنان الأربعاء، على التفاوض على مرشح ثالث، مع أرجحية أن يكون قائد الجيش؟