متى ينتفض جعجع؟

جورج حايك
جورج حايك

يبدو رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع هادئاً جداً، ويحيّر حلفاءه وخصومه، ولا يبدو خائفاً على مستقبل لبنان البعيد رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها حالياً، وكثر من أنصاره والمواطنين الذين يعرفونه يتساءلون ماذا يحضّر “الحكيم”؟ ماذا يملك من أدوات لتغيير الوضع؟ وهل خانته شجاعته التي عُرف بها خلال أيام الحرب؟ وماذا تغيّر فيه بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه أكثر من 11 عاماً؟ ومتى تكون انتفاضته الجديدة؟

من حق الشعب اللبناني عموماً والمسيحيين خصوصاً، أن يطرحوا هذه التساؤلات حول جعجع انطلاقاً من مسيرته وتاريخه، فهو كان دائماً رجل اللحظات الأخيرة، وربما لن تصل الأحداث في لبنان إلى اللحظة الأخيرة التي تستدعي من جعجع القيام بانتفاضة معيّنة تغيّر المشهد السياسي رأساً إلى عقب!

بعض المقربين من جعجع والعارفين بسيكولوجيته، يعتبرون أنّ كل انتفاضاته السابقة في زمن المقاومة العسكرية وبعدها النضال في زمن الوصاية كانت تحصل في اللحظات المصيرية الأخيرة وعندما تستنفد كل الوسائل الديبلوماسية والحوارية والمفاوضات، فيقوم بردود فعل تصحح الأمور وتعيدها إلى الطريق المستقيم، ونذكر منها:

الانتفاضة الأولى عام 1985 لاسترجاع القرار المسيحي الحرّ من الرئيس أمين الجميل آنذاك وبالتعاون مع الراحل إيلي حبيقة.

الانتفاضة الثانية عام 1986 قام بها جعجع على حبيقة نفسه بعد توقيعه الاتفاق الثلاثي واستسلامه لسوريا ومطامع رئيسها حافظ الأسد بلبنان، فقام بعملية عسكرية وتسلّم زمام الأمور في القوات اللبنانية.

الانتفاضة الثالثة كانت عام 1990 عندما أراد العماد ميشال عون على رأس حكومة عسكرية إلغاء القوات، فما كان من جعجع إلاّ الانتفاض ومواجهته عسكرياً.

الانتفاضة الرابعة عام 1992 عندما أدرك جعجع أن هناك انقلاباً على اتفاق الطائف وقرر المواجهة سياسياً بضراوة، متزعماً مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير المعارضة، ثم دخل المعتقل وقضى فيه أكثر من 11 عاماً تحت الأرض، مفضّلاً مساحة حرية ضيقة، متصالحاً فيها مع نفسه، بدلاً من العيش تحت نير عبودية الاحتلال السوري.

الانتفاضة الخامسة كانت مختلفة بالشكل، إذ شارك جعجع من خلال طلاب القوات اللبنانية ونضال شبابها في انتفاضة 14 آذار 2005، مؤكداً انضمامه إلى تحالف استقلالي عابر للطوائف أدى مع ضغط دولي إلى خروج الجيش السوري ومخابراته من لبنان.

بعد هذه الانتفاضات، خرج جعجع من السجن عام 2005 انساناً مختلفاً أكثر هدوءاً وبحجم “رجل دولة”. لكن أوضاع لبنان منذ عام 2005 وحتى اليوم تتدهور بسرعة صاروخية، وسيطرة حزب الله بالتحالف مع التيار الوطني الحر برئاسة عون ثم صهره جبران باسيل، قاد لبنان إلى الانهيار والافلاس والعزلة الدولية والعربية لمصلحة محور المقاومة والممانعة بقيادة ايران. ويبدو أن هؤلاء يعملون على تغيير وجه لبنان، وبات الخطر يهدّد الكيان، لذلك توجّهت الأنظار إلى جعجع في معراب، هل هو قادر على خوض غمار انتفاضة سادسة تغيّر المسار الانحداري؟

يلفت المقربون من رئيس “القوات اللبنانية” أنه لم يتغيّر، إذ لا يزال يمتلك الشجاعة نفسها، ويعيش هواجس اللبنانيين وقلقهم في العمق، ويعلم أن المسيحيين ضاقوا ذرعاً بهذه الأوضاع، وهو فعلاً يحضّر نفسه لإنتفاضة سادسة، لكن هذه المرة بوسائل غير عسكرية وعنفيّة لأن الزمن تغيّر وجعجع لم يعد مؤمناً بالعنف طالما هناك بصيص أمل ولو بسيط للتغيير بالوسائل السياسية الديمقراطية. قد لا يفرح بعض مناصري جعجع بهذا التكتيك الذي يعتمده، إلا أنّ الرجل يفكّر بمسؤولية وعقلانية وبراغماتية بعيداً من الحماسة والانفعالات والشعبوية، ويجد أن الانتفاضة السادسة الآتية ستكون عبر الانتخابات النيابية ونزع الأكثرية من حزب الله والتيار الوطني الحر، ووضع حدّ لهذا التدهور الدراماتيكي الذي يشهده لبنان وحالة العزلة التي يعيشها بسبب سياسة حزب الله وعون. هو مقتنع بأن القوات سيكون لها أكبر تكتل مسيحي والباقي ستتقاسمه القوى التغييرية وشخصيات مستقلة لن تكون مؤيدة لمشروع حزب الله، وبالتالي هذا الأمر سيغيّر المشهد السياسي ويُعيد العافية إلى لبنان تدريجياً.

مع ذلك، هناك من يشكك بحصول الانتخابات النيابية في وقتها ويتساءل حول ردّ فعل حزب الله في حال خسارته الأكثرية النيابية، وكيفيّة مواجهته للسلطة الجديدة، فهل سيتركها تحكم أو سيعمل على افشالها كما فعل في 7 أيار 2008 وفي اتفاق الدوحة، وبالتالي تعطيل البلد وصولاً إلى مؤتمر تأسيسي؟

جعجع ليس بعيداً عن التفكير بهذه الاحتمالات، ولو كان لا يوافق المشككين بحصول الانتخابات في وقتها، إلاّ أنه في حال استخدام الحزب القوّة، وهذا احتمال ضعيف، يؤكّد المقربون منه أن الاعتماد أولاً سيكون على الجيش اللبناني الذي يبدو مدعوماً دولياً للمحافظة على السلم الأهلي. وفي حال وقوفه على الحياد، وهذا أمر مستبعد، يؤكد المقربون من جعجع أنه لن يكون متناقضاً مع تاريخه وتاريخ المسيحيين، وبالتالي سيكون أمام لحظة مصيرية مع قرار الشعب اللبناني عموماً والمسيحيين خصوصاً في الدفاع عن وجودهما ضد محاولات الهيمنة والاستقواء.

أما في حال الوصول إلى مؤتمر تأسيسي أو أيّ مؤتمر حواري آخر، فلن يكون جعجع متساهلاً مع أيّ طروحات تغيّر صيغة العيش المشترك والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في الدولة. هذا خط أحمر بالنسبة إلى جعجع وإلى مستشاريه وأعضاء مجلس القيادة في القوات اللبنانية، ولن يرضى بالمثالثة، وستكون هناك طروحات تحفظ في المقابل حق المسيحيين انطلاقاً من مبدأ المحافظة على “الأرزاق” لأن الرزق السايب يعلّم الناس الحرام.

شارك المقال