الفديرالية أم تطبيق الطائف؟

لينا دوغان
لينا دوغان

اذا كنا لن ندخل في الملف الأساس ألا وهو الانتخابات الرئاسية، والذي يحمل الينا كل أسبوع موفداً من هنا وآخر من هناك، ليعودوا ونفهم نحن بأن الحل في هذا الملف لا يزال بعيداً، وإن كانت هناك محاولة أخيرة لحصول خرق ما في شهر تموز وذلك قبل أن ندخل في فراغين، رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، لكن هذا الأمر حتى اللحظة لا يزال ضبابياً، الا أن تفاقم أزمة الشغور الرئاسي والتدهور الاقتصادي والشلل في كل مؤسسات الدولة، وعلى وقع كل هذه الانهيارات المتلاحقة، يتصاعد الحديث عن وجوب الانتقال إلى نظام سياسي جديد، قوامه اللامركزية أو الفديرالية.

يلقى طرح الفديرالية قبولاً لدى الأحزاب المسيحية التقليدية في لبنان بوصفه حلاً لسيطرة الغالبية المسلمة تحديداً “حزب الله” على القرار والحكم، فيما ترفضه أحزاب تقليدية أخرى بوصفه طرحاً انعزالياً ومقدمة لتقسيم البلاد.

على ما يبدو فإن طرح مشروع الفديرالية في بلد صغير المساحة مثل لبنان غير قابل للتطبيق ولن يكون حلاً لأزمة الحكم فيه، لأنه بكل بساطة هو بالاسم فديرالية لكنه بالفعل فصل للمكونات اللبنانية على أساس طائفي ليس إلا، والمشكلة في لبنان قبل كل شيء هي سياسية.

تطرح الفديرالية اليوم على عكس الدولة المركزية، وتكون السيادة فيها موزعة بطريقة لامركزية مع ضمان جميع الأطراف لحقوق المواطنين ومسؤولياتهم، على أن يحتفظ المركز بصلاحيات الدفاع والسياسة الخارجية.

يحدد الدستور المقترح أربع مجموعات دينية عرقية ثقافية متميزة، أي المسيحيون والدروز والسنّة والشيعة، ستكون قادرة على إدارة شؤونها الخاصة والتعامل معها داخل الكانتونات الخاصة بها بموجب قوانين تقررها كل مجموعة. وبعد اعتماد هذه القواعد من برلمان كل كانتون، يكرّس البرلمان الفديرالي هذه القوانين ضمن قانون أساسي لجمهورية لبنان الفديرالية، بمعنى آخر، سينطبق هذا القانون على جميع المواطنين اللبنانيين المنظمين بحسب المجموعات العرقية الدينية الأربع، بحيث تحكم كل مجموعة، أو بصورة أدق كل طائفة، وحدتها الجغرافية.

فكرة الفديرالية ليست جديدة، وقد حظي هذا الخيار بتأييد، وكان موضوع نقاش بين السياسيين المسيحيين والأحزاب المسيحية بصورة رئيسة قبل الحرب الأهلية اللبنانية وخلالها. وكان للرئيس كميل شمعون خطة مفصلة للبنان الفديرالي، كما قدمت الجبهة اللبنانية، التي تمثل تطلعات الموارنة بصورة رئيسة، مشروعاً فديرالياً خلال الحوار الوطني اللبناني في لوزان. وراودت فكرة الفديرالية الرئيس بشير الجميل، لكن الحرب الأهلية اللبنانية انتهت بتوقيع الأطراف المتناحرة وثيقة المصالحة الوطنية لعام 1989، المعروفة بـ”اتفاق الطائف”، والتي أقامت لامركزية إدارية بدلاً من الفديرالية. صحيح أن الفديرالية المطروحة اليوم يسمونها لامركزية لكنها ليست لامركزية ادارية فقط، فبالاضافة الى ذلك ستكون لامركزية مالية ولامركزية تشريعية، وهنا يكون الفرق بين الفديرالية والطائف طبعاً الى جانب أمور أخرى.

وعلى الرغم من أن اللامركزية الادارية التي أقرها اتفاق الطائف لم تطبق، من الخطأ الخلط بينها وبين الفديرالية التي تطالب بها جهات لبنانية، معللة طرحها بأنها لم تعد قادرة على التعايش مع المنظومة الحاكمة والنظام الأمني الحالي وهيمنة السلاح على القرار السياسي في لبنان، كما باتت تعتبر أن اتفاق الطائف عنده اشكالية مركزية النظام ويخضع لمعادلة “الأقوى” ويجب للحفاظ على لبنان الكيان ايجاد دستور جديد يعالج الخلل ويراعي الخصوصيات والهويات الطوائفية.

يدور الحديث في الكواليس الآن عن دراسة ونية لطرح مشاريع قوانين في مجلس النواب تصب في هذا الاتجاه، بمعنى آخر تكون نواة للمشروع الفديرالي الذي يبدو أنه حديث الصالونات في الآونة الأخيرة. هذه المشاريع المطروحة لتطال مروحتها كل لبنان ستنصب بالتأكيد على العاصمة بيروت والتي سبق أن سمعنا كلاماً تحديداً قبل اقتراب الانتخابات البلدية، عن النوايا المبيتة بأن تصبح البلدية بلديتين لبيروتين، وفي هذا الموضوع بالتحديد حديثنا يطول.

هذا النوع من الفديرالية يمكن أن يكون حلاً عملياً للمشكلات المزمنة التي يواجهها النظام الطائفي في لبنان، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية السياسية التي تعصف بالبلاد. ولكن عند التدقيق عن كثب، فإنه اذا لم تتوصل طوائف البلاد إلى إجماع طائفي حول الفديرالية، فستتحول الفديرالية إلى وصفة لصراع أهلي يتأجج من جديد. لذا فالفديرالية ليست حلاً ملائماً للبنان، لبلد قائم على التنوع والعيش المشترك، وعلينا أن نتنبه الى نقطة مهمة جداً وهي أننا لا يمكننا الذهاب الى صيغ تقسم لبنان وتباعد بين اللبنانيين، فهذا ليس حلاً بل أزمة جديدة تضاف الى أزماته.

شارك المقال