الامبراطورية الأميركية وسط الضباب الأوكراني

حسناء بو حرفوش

وسط حالة من المد والجزر، تقول الحرب الأوكرانية الكثير وتحديداً عن الدور الأميركي في العالم وعن مصير الليبرالية. وفي هذا السياق، كتب المحلل روس دوسات في مقال رأي في موقع “نيويورك تايمز” الالكتروني أن “الحرب في أوكرانيا تسمح باستخلاص الكثير حول الصورة الكبيرة بناءً على التطورات التي تتغير بين الفينة والفينة وبصورة غير متوقعة. وهذا ما يفسر مثلاً التأخر أو التقدم البطيء المخيب للآمال للهجوم المضاد الأوكراني الذي يغذي اليقين بأن الحرب ستغير مصير روسيا حتماً. ومن ثم فجأة، يغذي تمرد بريغوجين الغريب اليقين المتشدد حول اتجاه الصراع، فيوحي بتعثر النظام الروسي أو بداية انهياره واحتمال انتصار أوكرانيا بالكامل.

وينطبق النمط نفسه على تحليل كيفية تناسب الحرب في صورة القوة العالمية. في أوقات مختلفة خلال العام المنصرم، كان بالامكان تفسير الحرب من خلال منظور تجدد الصراع بين القوى العظمى وتلاشي فترة ما بعد الحرب الباردة، ولكن أيضاً من خلال الضعف المستمر لخصوم أميركا الرئيسيين ونقص الشرعية والكفاءة لدى الأنظمة غير الليبرالية. ولكن ليس ضباب الحرب الأوكرانية وحده هو ما يصعب فهم هذه العلاقات بالتحديد بحيث ستبقى العلاقة الأميركية الدقيقة ببقية العالم ضبابية بعض الشيء حتى من دون ارتباك في ساحة المعركة. ومن الواضح أن الموقف الأميركي قد ضعف مقارنة بالتسعينيات أو حتى بسنوات عهد (باراك) أوباما. لكن لغة العالم “متعدد الأقطاب” وصراع القوى العظمى المتنافسة، تعني للقارئ العادي نوعاً من التكافؤ بين الأقطاب المختلفة، الولايات المتحدة كمركز قوة واحد فقط مع احتمال نوع من انهيار بعض القوى العظمى مثل القوة البريطانية غير المصنّعة في القرن العشرين أو القوة الاسبانية في القرن السابع عشر أو القوة السوفياتية بسرعة أكبر من ذلك بكثير.

ومن الواضح أن هذا ليس صحيحاً فالولايات المتحدة تخرج من حقبة جائحة كورونا مع نمو أقوى في الناتج المحلي مقارنة ببقية الدول ضمن مجموعة الـ7. وتجدر الاشارة إلى أن الصين هي التي تواجه أزمة أكثر حدة في معدل المواليد بعكس الولايات المتحدة. كما يبدو أن المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان هي التي تتعرض لخطر التحول إلى دول “غير نامية”، مع تطور الركود إلى حالة من الانحدار والأمثلة كثيرة.

وتظهر المرونة المثبتة أن القوة الأميركية لا تزال تهيمن على العالم بغض النظر عن التحديات التي تواجهها. وفي الوقت نفسه، لا بد من الالتفات الى ما يلي:

  • فشل المعايير الليبرالية وفقاً للنمط الأميركي في التجذر خارج “الامبراطورية الأميركية الخارجية” في أوروبا الغربية وحافة المحيط الهادئ، وظهور أنظمة هجينة، ليست ليبرالية بالكامل ولا ما بعد ليبرالية بالكامل، في إطار صعود قوى مثل تركيا والهند وإلى حد ما في أوروبا الشرقية أيضاً.
  • فشل فوكوياما المسلحة، أي عدم قدرة القوة العسكرية الأميركية على العمل كأداة لنشر الديموقراطية وتوسيع إمبراطوريتها الخارجية عن طريق تحويل العراق وأفغانستان إلى ما يعادل ألمانيا أو كوريا الجنوبية.
  • تحول في القوة الاقتصادية والعسكرية من الدول التي تشارك القيم الأميركية و/ أو تعتبر نفسها جزءاً من حضارة غربية مشتركة إلى دول لا تفعل ذلك، وهذا يعني في الغالب تراجع القوة الأوروبية مقارنة ببقية العالم. وعلى نحو متصل، هناك استياء شديد من كل من أميركا والغرب بصفتهما حكّاماً للأولويات العالمية والمعايير الدولية.
  • اتساع الفجوة الأيديولوجية بين النسخة المحددة من الليبرالية الصاعدة في النخبة الأميركية والقيم الأساسية للسكان غير الأميركيين في جميع أنحاء العالم والانقسام الداخلي المرتبط داخل الولايات المتحدة بشأن الحضارة الأميركية نفسها في صراع الحضارات.
  • بروز الصين كمنافس عسكري حقيقي، في المحيط الهادئ وفي جميع أنحاء العالم وبديل اقتصادي وديبلوماسي للنفوذ الأميركي عبر الجنوب العالمي.

لقد ساهمت حرب أوكرانيا في تشكيل هذه الاتجاهات جميعها والتفاعل معها. ويمثل حكم فلاديمير بوتين الانتقامي في روسيا بحد ذاته مثالاً على التراجع العالمي لليبرالية، وربما حفز فشل الأسلحة الأميركية في أفغانستان قراره بالغزو. تعتمد مرونة روسيا النسبية في مواجهة الحظر الذي تقوده الولايات المتحدة على قوة الصين وعدم رغبة بقية العالم في الانضمام بصورة كاملة إلى التصميم الأميركي والأوروبي. ويعكس اعتماد أوكرانيا على المساعدات الأميركية، على وجه التحديد الضعف المستمر لشركاء واشنطن الأوروبيين. ولكن الولايات المتحدة تستمر في محاربة روسيا بالوكالة، باستخدام جزء بسيط من قوتها، والقوات الروسية عالقة في التقدم أو تواجه هجمات مضادة تضع النظام الروسي تحت ضغوط هائلة. ويبقى السؤال: ما هي القصة الأكبر للحرب الروسية – الأوكرانية، هل تثبت نمو القوة الأميركية أو تصدعها؟ تفترض الاجابة بعض الصبر بانتظار انقشاع الضباب”.

شارك المقال