التدقيق الجنائي… بالون إعلامي برتقالي

محمد شمس الدين

لكثرة فشله، صرع العهد “القوي” السابق رأس اللبنانيين بأحد الانجازات، وهو عقد التدقيق الجنائي مع شركة “ألفاريس أند مارسيل”، بل إن نوابه و”الزقيفة” الذين يدورون في فلكه، بدأوا يتوعدون ويهدوون، مؤكدين أن التدقيق سيدحرج رؤوساً كبيرة، ويأخذ الشعب حقه ممن نهبه، ولكن بعد أن نشر العقد مع الشركة يبدو أن التيار كعادته أطلق بالونات اعلامية، من دون الوصول إلى أي نتيجة فعلياً، مثل كل ملفات الفساد التي كان يحركها عبر قاضيته غادة عون، التي لم تستطع أن تثبت التهمة على أي ممن فتحت الملفات ضدهم، والتي بحسب قولها أخرجتها من “الدرج”.

العقد مع الشركة تبين أنه لا ينجز تدقيقاً شاملاً نهائياً، بل هو مجرد تدقيق أولي، لا يمكن استعماله في أي محكمة لملاحقة أي مرتكب، بل سيكون على الدولة اللبنانية إنجاز عقد جديد مع الشركة لإنجاز تدقيق نهائي شامل، علماً أن الشركة ليس من أبرز اختصاصاتها التدقيق الجنائي كما ذكرت تقارير إعلامية سابقة، فـ “ألفاريز أند مارسيل” معروفة بأنها شركة استشارية.

وبالنسبة الى الجدل القائم حول نشر التقرير الأولي أم لا، وبعد تداول بنود العقد في وسائل الاعلام، علّق مرجع قانوني لـ “لبنان الكبير” على هذا الأمر بالقول: “البند المتداول يتحدث عن حالتين، في الحالة الأولى يقول إن وزارة المال لها الحق باستخدام التقرير، ومبادلته مع أي جهة تعتبر جزءاً منها، وفي هذه الحالة تستطيع مشاركة المعلومات مع الحكومة والسلطة الاجرائية، وتشترط في العقد أن تكون الشركة مسؤولة عن هذه المعلومات، ولا يمكن مراجعتها، في حال كان هناك عطل وضرر على خلفية المعلومات. أما الحالة الثانية فهي في حال تحول الملف إلى السلطة القضائية أو الجزائية، لا تقبل الشركة بتوفير المعلومات لها، أو تقوم عندها بإعداد تقرير آخر بصورة مختلفة، وفي حال أراد أحد الذهاب بهذه المعلومات إلى المحكمة لا يمكنه استخدام اسم الشركة”.

ولاحظ المرجع أن العقد يحصر الاطلاع على المعلومات بالسلطة الاجرائية فقط، أي أنه لا يحق حتى للسلطة التشريعية الاطلاع مباشرة على التقرير وفق العقد، وهذا أمر غير طبيعي.

ورأى أن أصل مبدأ تكليف شركة أجنبية بتحقيق “جنائي” يخص المصرف المركزي الوطني فيه خرق رهيب لمبدأ السيادة واستقلالية الدولة ومبدأ المؤسساتية، ومبدأ السلطات والدستورية والأهم مبدأ فصل السلطات، لقد تم الدوس على الدستور بتكليف هذه الشركة.

وعلم “لبنان الكبير” أن أعضاء لجنة الادارة والعدل عندما درسوا ملف التدقيق الجنائي في جلسة أول من أمس، لم يطلعوا على العقد، وخرج النائب جميل السيد بمؤتمر صحافي يشرح فيه مضمونه، من دون أن يطل أحد من زملائه في اللجنة عليه. ووصل العقد إلى أعضاء اللجنة بعد نشره في الاعلام، وعلق أحد النواب عبر “لبنان الكبير” قائلاً: “مضمون العقد هذا هو خيانة، فهو يفرغ تقرير التدقيق الجنائي من أي قيمة، وكل الثبوتية المتعلقة به تذهب هباء، وتكون السلطة قد هدرت أكثر من مليوني دولار من دون أي نتيجة، على ما يفترض أنه عقد لكشف مكامن الفساد والهدر، وهذه مهزلة موصوفة”.

واعتبرت مصادر مواكبة لملف التدقيق الجنائي والضجة المثارة حوله، أن وزير المال يوسف خليل، وبغض النظر عن النصوص القانونية إن كان يسمح له الأمر بذلك أم لا، لا يريد حمل كرة نار هذا الملف. ولفتت في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “ملفاً تقنياً كهذا ليس من حق الرأي العام كي يستثمر في الحملات السياسية، فهو من حق السلطة التنفيذية، وفي ظل الهجوم الذي تتعرض له حكومة الرئيس (نجيب) ميقاتي عن عدم شرعيتها، بسبب الفراغ الرئاسي، بالاضافة إلى انعكاسات هذا الأمر على الوضع الاقتصادي واستقرار العملة، من الأفضل أن يرحّل هذا الملف إلى العهد القادم، لتتخذ الاجراءات المناسبة في ضوء التقرير”.

أضافت المصادر: “هناك فرق بين الشعبوي والاعلام والسياسة، وتقرير كهذا لا يمكن أن ينشر عبر الفايسبوك كما يحاول أن يوحي البعض، تحديداً فريق العهد السابق الذي يريد استغلال الأمر”.

كما الابراء المستحيل والكهرباء 24 والمياه من السدود، طّير “التيار الوطني الحر” بالوناً إعلامياً جديداً أمام أعين الجمهور ليحرف أنظاره عن الارتكابات المفجعة التي قام بها خلال عهده “القوي”، أو في الوزارات التي تسلمها، بل أكثر من ذلك أهدر مليونين ونصف المليون دولار في بلد يتسول العملة الصعبة، وشن حملة على المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم الذي استهجن الاستعانة بشركة خارجية للقيام بتدقيق في وجود ديوان المحاسبة، علماً أن النصوص المؤسسة عليها الجهات الرقابية مثل الديوان في الدولة، هي أهم ألف مرة من أي شركة أجنبية، والمشكلة في التنفيذ وليس في الجهات.

شارك المقال