حاكمية “المركزي”… أرجحية القانون والمنطق لمنصوري

هيام طوق
هيام طوق

الأمور صعبة والمرحلة دقيقة وحساسة، والأزمات على مختلف أنواعها، ولاسيما السياسية منها مستفحلة الى حد الانهيار التام، والشلل الكامل، وتهدد بالقضاء على ما تبقى من دولة ومؤسسات. إنه لسان حال المسؤولين من مختلف الأطياف والتوجهات، لكن المفارقة أن الجميع يقف عاجزاً حيال تفاقم الوضع، وكأن هناك نوعاً من الاستسلام أو الخضوع لمشيئة القدر لتدير البلاد.

الواقع المأزوم لن يتوقف عند هذا الحد، بل هناك تخوف من تصاعد وتيرة التصادم السياسي بين الفرقاء، والذي يمكن أن يتخذ الطابع الطائفي على خلفية التعيينات في المراكز المهمة والحساسة في الدولة في ظل الشغور في سدة الرئاسة الأولى. وجولات الخلافات والسجالات الحادة التي شهدناها في المرحلة السابقة خصوصاً مع اجتماعات الحكومة، ستتضاعف في الأيام المقبلة لأن ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تنتهي أواخر الشهر الجاري، وفي الأول من كانون الثاني 2024، يحال قائد الجيش العماد جوزيف عون على التقاعد في حين أن ملء الشغور الرئاسي يبدو بعيد المنال وفق المعطيات الحالية.

ولعلّ ما يصرح به المسؤولون الذين يرفعون سقوف خطاباتهم، خير دليل على أن كل طرف سيتلطى خلف مواقفه، ويتمسك بها الى حد انزلاق البلد الى هوّة يصعب الخروج منها، في وقت يحاول البعض إيجاد المخارج الأفضل للأزمات المقبلة مع العلم أن كل دول العالم تحتكم الى الدستور حين تواجه المشكلات والاشكاليات، الا في لبنان حيث كل طرف يفصّل الدستور على قياسه، ووفق مصالحه السياسية.

وفي هذا السياق، برز منذ يومين، كلام لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الثالث، أكد فيه أنّ “الحكومة تكاد تكون المؤسسة الدستورية شبه الوحيدة التي لا تزال تؤمّن استمرارية الدولة ومؤسساتها”، مشيراً إلى أنّ “الفريق الذي يتمترس خلف حفاظ مزعوم على صلاحيات رئيس الجمهورية، هو نفسه من مارس التعطيل لسنوات ويتمادى في رفع التهمة المثبتة عليه بإلصاقها بالآخرين، وبالسعي المستمر الى تعطيل عمل الحكومة والتصويب على قراراتها. ومخطئ من يعتقد أنه يمكنه ممارسة الوصاية على عمل الحكومة، فيحدد مسبقاً ما يجب القيام به وما هي المحظورات والممنوعات”.

في حين حذّر “التيار الوطني الحر”، ممّا “تخطط له الحكومة الناقصة الشرعية ومن يدعمها، لفرض أمر واقع يخالف الميثاق والدستور من خلال الإقدام على إجراء تعيينات في مواقع الفئة الأولى، متجاوزة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية لإيصال رسالة مفادها أن حكم البلاد ممكن من دون رئيس يمثل المسيحيين في معادلة الشراكة الدستورية”.

إذاً، المواقف توحي بأن الآتي أعظم، لكن ما هو المخرج الأفضل والأقل كلفة على اللبنانيين لملف التعيينات خصوصاً في ما يتعلق بحاكمية المصرف المركزي؟ وما هو الرأي القانوني والدستوري في هذا الاطار؟ وعلى الرغم من أن الرئيس ميقاتي لم يحسم أي أمر حالياً في شأن التعيينات، ما هي الحلول المطروحة للتعاطي مع هذا الملف بأفضل ما يمكن في ظل الشغور؟

مصدر مقرب من الرئيس ميقاتي أشار في تصريح لموقع “لبنان الكبير” الى أنه “يفضّل أن يكون هناك رئيس للجمهورية كي لا يحصل كل هذا اللغط خصوصاً أن المواقع في لبنان موزعة وفق الطوائف. وبالنسبة الى مسألة حاكمية مصرف لبنان، هناك طرح ليتسلم مهام الحاكم بعد انتهاء ولايته، نائبه الأول وسيم منصوري، وطرح آخر لامكان تعيين حاكم جديد في حال التقت القوى السياسية على ذلك، ويترجم ذلك بقرار يصدر عن مجلس الوزراء. حالياً، تناقش المسألة مع كل المعنيين، ولا بد من الوصول الى النتيجة الأفضل بعد الاحتكام الى القانون والدستور”، مشدداً على أنه “اذا لم يتم التوافق على تعيين حاكم جديد، فيسري مفعول القانون الذي ينص على أن نائب الحاكم الأول يتسلم المهام في حال الشغور اذ لا يجوز أن يستمر مصرف لبنان جسداً من دون رأس، هذا يكون نحراً للبنان في حال توقف هذا المرفق”.

وأكد المصدر أن “أي أمر لم يحسم حتى اللحظة مع أرجحية تسلم منصوري المهام اذا لم يصطدم بمعوقات على المستوى السياسي. ننتظر تبلور هذه المسألة في الأيام المقبلة”، مذكراً بأنه “كانت هناك بعض الاعتراضات منذ فترة على تسلم منصوري بسبب الخلفية الطائفية، لكن اليوم انخفض منسوب الاعتراض خصوصاً أننا نعيش حالة استثنائية، وربما تلجأ الأكثرية الى الواقعية لتسيير هذا المرفق العام المهم. في لبنان كل شيء وارد، ولا يمكن التكهن بأي أمر كما لا يمكن أن نحسم أي أمر مئة في المئة”.

وتمنى المصدر “انتخاب رئيس الجمهورية اليوم قبل الغد لاعفاء الجميع من الدخول في السجالات الحاصلة، لكن اذا لم يتم انتخاب الرئيس، فحكومة تصريف الأعمال ستمارس صلاحياتها حسب القانون بغض النظر عن آراء البعض التي تستند الى خلفيات لادستورية ولاقانونية”، آملاً “أن تنتقل المهام بسلاسة من الحاكم الى نائبه الأول”. واعتبر أن “من السابق لأوانه البحث في مسألة قائد الجيش لأن هناك فترة زمنية تفصل عن تقاعده، وربما الى حينه نكون قد انتخبنا رئيساً للجمهورية”.

وأوضح نقيب محامي الشمال السابق محمد المراد أن “التعيينات في الفئة الأولى ومنها حاكم مصرف لبنان، تحتاج الى ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، وعلى الرغم من أن الحكومة ليست كاملة الصلاحيات، يمكنها الاجتماع لتعيين حاكم للمصرف المركزي لأن ذلك من الأولويات، وحاكمية مصرف لبنان، موقع في غاية المسؤولية والدقة بحد ذاته خصوصاً في ظل انهيار الليرة والوضع الاقتصادي والمالي والمصرفي. وبالتالي، هناك ضرورة ملحة لاجتماع مجلس الوزراء. وفي حال اجتمعت الحكومة، واتخذت قراراً بأكثرية الثلثين، يتم تعيين الحاكم، واذا لم يتوافر نصاب الثلثين، يخفق مجلس الوزراء في تعيينه. وهنا يتم تطبيق القانون الذي ينص على أنه في حال شغور مركز الحاكم، يحل محله نائب الحاكم الأول”، مؤكداً أن “مسألة التعيين في حاكمية المصرف المركزي محلولة من الناحية القانونية، لكن كل ما يجري من نقاش وسجال حول هذا الموضوع، ينطلق من اعتبارات سياسية. هنا يتعين أن يحصل ما حصل مع المدير العام للأمن العام بالانابة اللواء الياس البيسري”.

وقال: “القانون عالج مسألة شغور منصب حاكم مصرف لبنان، اذ مع تعذر التعيين، القانون يقول ان نائب الحاكم الأول يتولى مهام الحاكم. هذا هو حجم المسألة التي لا تعالج من بعدها المؤسسي انما من بعدها السياسي لأن ما من أحد يرغب في تحمّل هذه المسؤولية الكبيرة”. وتساءل: “لماذا كل هذا اللف والدوران؟ المخرج الطبيعي والمنطقي والأسلم والذي يحتكم الى القانون هو أن يتولى نائب الحاكم الأول حاكمية المصرف. ومن يعترض على الطائفة، فنقول ان القانون في هذه الحالة لا يتحدث عن الطوائف. واذا أردنا مراعاة هذه الأمور، فلماذا لا يتفقون على حاكم جديد في مجلس الوزراء؟”.

أضاف المراد: “عادة وعرفاً، يقتضي أن يعيّن حاكم مصرف لبنان بوجود رئيس الجمهورية، لكن، هذا ليس قانوناً انما مراعاة. وعندما نكون في حالة وظروف استثنائية، ليس هناك أي مخالفة قانونية أو دستورية من اجتماع الحكومة للتعيين”. وأشار الى أن “من يتولى المسؤوليات بحكم غياب الأصيل هو تكليف مؤقت الى حين اجراء التعيينات دستورياً وقانونياً”.

شارك المقال