بين التفلت الأمني والنقدي

لينا دوغان
لينا دوغان

هي فترة سياحية بامتياز ولا يبدو أن هناك مجالاً لحلحلة سياسية فيها، حتى لو تخللها موعد للموفد الفرنسي جان ايف لودريان في السابع عشر من هذا الشهر، وعلى الرغم من أن مخاضها كبير وتخطى الوضع “الرئاسي” ليطال الكرسي الموازي له في البلد ألا وهو “المركزي”، وهذان الوضعان وتداعياتهما بدأا يرخيان بثقلهما على الوضع الأمني الذي يحاول الجميع إمساكه بالقوة خوفاً من أن يفلت من بين أيديهم ويخرج عن السيطرة.

لبنان على صفيح أمني ساخن والخطر الأمني موجود، طالما أن ليس هناك دولة بكامل مقوماتها. الأكيد لا بل المؤكد أنه ليس هناك قرار بإشعال الساحة اللبنانية من أيٍ من الأطراف الخارجية، كذلك الأمر بالنسبة الى كل القوى اللبنانية التي لا تريد حتى حصول أي توتر في أي منطقة من المناطق، لكن وتيرة الأحداث الأمنية التي تسارعت في الآونة الأخيرة بصورة لافتة، مقلقة جداً، فمن جريمة بشري التي سقط فيها قتيلان من البلدة في ظروف غامضة، بانتظار القضاء حتى يبين حيثياتها وظروفها، إلى واقعة إطلاق النار على المصلين في بر الياس، إلى الخرق الاسرائيلي على الحدود ودخول القوات الاسرائيلية الى الشمال من بلدة الغجر الحدودية في رسالة واضحة الى “حزب الله” على عدم إزالته الخيمتين.

وفي الجهود المبذولة لاحتواء كل هذه الأحداث، تحرك كل المعنيين بين بشري والضنية وكان لافتاً اتصال مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بالنائب فيصل كرامي، بحيث انصبت الجهود كلها على وأد الفتنة، كذلك انتهت حادثة بر الياس، وفي ما خص الخرق الاسرائيلي، من المحتمل عبر التدخلات الدولية الوصول الى معادلة ازالة الخيمتين مقابل ازالة الخرق في الغجر.

كل ذلك هو نتيجة طبيعية لانفراط عقد الدولة ومؤسساتها وغياب الاستقرار السياسي، والخلاف المستعر بين مختلف القوى على الملف الرئاسي وزد عليه خلاف حاكمية “المركزي”.

وما هي الا أسابيع وتنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ولم يعد من خيار أمام حكومة تصريف الأعمال، سوى تطبيق القانون الذي يتيح لنائبه الأول وسيم منصوري، القيام بتسيير شؤون الحاكمية وتدبيرها خلفاً له، لأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبحسب ما صرح ليس في وارد طلب التمديد له أو تعيين من يخلفه في منصبه، لأنه لا يريد أن يعمّق الشرخ بين اللبنانيين، أو أن يرفع من منسوب الانقسام الذي بلغ ذروته مع انسداد الأفق أمام انتخاب رئيس للجمهورية، على الرغم من أنه كان هناك اقتراح من وزير المال يوسف خليل يقول بالتمديد ثلاثة أشهر لسلامة، الا أن الرئيس ميقاتي رفض أن يكون هذا الموضوع مطروحاً بنداً على جلسة لمجلس الوزراء.

تزامناً، برز البيان الصادر عن نواب الحاكم الأربعة وفيه إنه “لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال على السلطة النقدية الأعلى في الدولة، كما نرى أن من واجبنا التشديد على ضرورة تعيين حاكم جديد عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت، وإلا سنضطر إلى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة”، ما فسر على أنهم قد يستقيلون جميعاً ما لم يعيّن حاكم جديد للمصرف بعد انقضاء مدة الحاكم الحالي في وقت لاحق من الشهر الجاري.

لن يدخل ميقاتي في موضوع التعيينات عبر حكومة تصريف الأعمال ما لم تتوافق كل الأطراف على هذا الطرح خصوصاً الجهات المسيحية، وهذا ما سيدفع بوزير المال للجوء الى الحل الأخير وهو تكليف نواب حاكم مصرف لبنان بتسيير الأمور حتى لو استقالوا.

تشير بعض المصادر إلى أنّ مضمون البيان التحذيري الصادر عن نواب حاكم مصرف لبنان، والذي يُحمّل في جوانب منه السلطة السياسية، مسؤولية عدم تعيين حاكم جديد، مرده إلى صعوبة تولي منصوري مهمات الحاكم، لأسباب سياسية مرتبطة بالمواقف المسيحية المعارضة لمثل هذه الخطوة باعتبار أن هذا الموقع هو من المواقع المارونية الأساسية في الدولة، كما أن هناك مواقف خارجية تفضّل عدم تسلم منصوري مهمات الحاكم بالوكالة وضرورة تعيين حاكم جديد ليتم التعاطي مع الأصيل وليس الوكيل، والخشية الأكبر هي من خطورة التجاذب السياسي الحاصل في حال طال أمد الفراغ الرئاسي الأوضاع النقدية، والخوف من زيادة تدهور سعر صرف العملة المحلية.

يعني باختصار ما بعد سلامة ستقتصر مهمة منصوري على تصريف الأعمال النقدية ولن تكون لدينا سياسة مالية جديدة، وضعنا على ما هو عليه، لكن الواضح أن الليرة ستواصل انهيارها والوضع النقدي سيزداد صعوبة هذا إن لن نشهد ارتفاعاً جديداً للدولار.

وبين حل سياسي مؤجل وحل للمركز المالي الأول والذي دخلنا في دهاليزه يتأرجح الوضع الأمني بين حادثة يئدون فتنتها هنا، لتدور واحدة أخرى هناك… والانفراج بعيد.

شارك المقال